الحكم العطائية ... "إن لم تُحْسِن ظنَّكَ به لأجل حُسنِ وصْفِه، فَاحَسِّن ظنَّك بهِ لأجل معاملته معك..  فهل عَوَّدَكَ إلاَّ حسناً؟"

السبت 05 تشرين الأول , 2019 01:28 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - اسلاميات

 

"إن لم تُحْسِن ظنَّكَ به لأجل حُسنِ وصْفِه، فَاحَسِّن ظنَّك بهِ لأجل معاملته معك فهل عَوَّدَكَ إلاَّ حسناً؟ وهل أسدى إليك إلاَّ مِنَنًا؟"

 

جاء في الحديث القدسي الذي رواه الإمام البخاري: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَة".

وجاء في مسند أحمد بن حنبل "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ".

حسن الظن بالله أن تثق في الله وفي حكمته، وتثق بأنَّه لن يتخلى عن المؤمنين، وأنَّ العاقبة للمتقين، حسن الظن بالله أن تثق في أنَّ ما قدره لك الله هو الخير، وأن تثق في أنَّ ما سيقدره لك هو الخير، حسن الظن بالله أن تمضي في الحياة تغيرها وتطوعها معتقداً أنَّك تنفذ إرادة الله، وما دمت كذلك فلن يتركك، فمن كان معه فمن عليه، ومن كان عليه فمن معه.

 والناس في حسن الظن بالله على قسمين: خواص وعوام

أمَّا الخواص: فحسن ظنهم بالله تعالى نشأ عن شهود جماله ورؤية كماله فحسن ظنهم بالله لا ينقطع سواء واجههم بجماله أو بجلاله لأنَّ أتصافه تعالى بالرحمة والرأفة والكرم والجود لا ينقطع فإذا تجلى لهم بجلاله أو قهريته علموا ما في طي ذلك من تمام نعمته وشمول رحمته فغلب عليهم شهود الرحمة والجمال فدام حسن ظنهم على كل حال.

وأمَّا العوام: فحسن ظنهم بالله نشأ عن شهود إحسانه وحسن معاملته وامتنانه فإذا نزلت بهم قهرية أو شدة نظروا إلى سالف إحسانه وحسن ما أسدي إليهم من حسن لطفه وامتنانه فقاسوا ما يأتي على ما مضى فتلقوا ما يرد عليهم بالقبول والرضى وقد يضعف هذا الظن بضعف النظر والتفكر ويقوي بقوتهما، بخلاف الأول فإنَّه نشأ عن شهود الوصف والوصف لا يتخلف.

والثاني نشأ عن شهود الفعل وهو يتخلف فإن لم تقدر أيها المريد أن تحسن ظنك بالله لشهود وصفه بالرأفة والرحمة التي لا تتخلف.

فحسن ظنك به لوجود معاملته معك بلطفه ومننه، فإن لم تحسن ظنك به، لأجل حسن وصفه فحسن ظنك به لأجل معاملته معك، فهل عودك إلا حسناً وهل أسدى إليك إلا مننا.

إذا ضاقت عليك الدنيا واستحكمت حلقاتها فتذكر "فليظن بي ما شاء"، إذا أصابك هم أو غم ولم تجد من يفرج همك فتذكر "فليظن بي ما شاء"، إذا كاد لك الناس وأجمعوا أن يجعلوك في الغيابات فتذكر "فليظن بي ما شاء"، إذا أعياك مرض وأعجز الطب شفاؤه فتذكر "فليظن بي ما شاء"، واعلم علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين أنَّه عند حسن ظنك به، فإن افتقدت حلاوة هذا الاحساس فقد فقدت جنة الله في دنياه، فإنَّ في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.

 

قال أهل المحبة والمعرفة:

 

 ولا تنس إحساناً بسطناه عندما ... جهلت فقربناك حتى عرفتنا

كفيناك أغنيناك عن سائر الورى ... فلا تلتفت يوماً إلى غير وجهنا

ولا تنس ميثاقاً عهدت وكن بنا ... وثيقاً ولا تنقض مواثيق عهدنا

أمرناك أن تأتي مطيعاً لبابنا ... فأبطأت كاتبناك مع خير رسلنا

نسيت فذكرناك هل أنت ذاكر ... بإحساننا أم أنت ناسٍ لعهدنا

وجدناك مضطراً فقلنا لك ادعنا ... نجبك فقل هل أنت حقا دعوتنا

دعوناك للخيرات أعرضت نائياً ... فهل تلقَ من يحسن لمثلك مثلنا

سألت فأعطيناك فوق الذي ترد ... عصيت فأمهلنا عليك بحلمنا

غفرنا تكرمناً عليك بحلمنا ... تسترت أسبلنا عليك بسترنا

فما حبنا سهل وكل من ادعى ... سهولته قلنا له قد جهلتنا

فأيسر ما في الحب للصب قتله ... وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا

فيا أيها العشاق هذا خطابنا ... إليكم فما إيضاح ما عندكم لنا

فقال خواص العاشقين تذللاً ... يطيب لنا في معرك الحب قتلنا

فلا دية نرضى بها غير نظرة ... إليك ولكن نظرة منك تكفنا


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل