الحكم الشرعي سرقة الأفكار والإبداع

الإثنين 28 تشرين الأول , 2019 03:16 توقيت بيروت الفقه الإسلامي والفتاوى

الثبات - علوم اسلامية 

 

الحكم الشرعي سرقة الأفكار والإبداع

 

السرقة في الفقه الإسلامي هي: أخذ مالٍ يبلغ نصاباً من حِرزه مملوكٍ للغير على سبيل الاستخفاء بقصد السرقة.

والأصل في تحريم السرقة قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيم}.

وما رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أنَّه قطع في مِجَنٍّ ثمنه ثلاثة دراهم".

والعلة في تحريم السرقة أنها تمثل انتهاكاً واعتداءً على ملكية الآخرين وحقوقهم، وفي ذلك ضررٌ على المجتمع وانتشار للفساد فيه فلو لم يأمن الناس على كسبهم وثمرة أعمالهم فإنهم لن يعملوا، وبذلك تتعطل التنمية في المجتمع، ومن هنا شدد الإسلام عقوبة السرقة وجعلها قطع يد السارق حتى يرتدع كل من تسول له نفسه أن يتعدى على حقوق وأموال الآخرين، وفي المقابل حث المسلم على العمل والكسب الحلال الطيب حتى يقبل الله تعالى أعماله وحتى لا يخضع لعقاب الله وعذابه يوم القيامة، فقد قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "أَيُّمَا لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ".

وحتى يخضع السارق للعقوبة الحدِّية وهي قطع اليد فإنَّه ينبغي أن تتوافر في جريمة السرقة شروط وأركان معينة فإذا تخلف شرط منها فإنَّ السارق يعاقب تعزيراً حسب ما يقرره القاضي، ووفقاً لجسامة الجريمة وخطورة الجاني؛ لأنَّ الحدود تدرأ بالشبهات؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ".

ومن ذلك ما اشترطه الفقهاء في المال المسروق من أن يكون منقولاً ومملوكاً للغير وكونه ماديّاً حتى يتمكن السارق من حيازته.

أما الأموال المعنوية فلا تكون محلاً للسرقة الموجبة للقطع؛ لأنَّها حقوق مجردة وليست قابلة بطبيعتها للنقل من مكان إلى آخر سواء أكانت حقوقاً شخصيةً أو عينيةً، ولكن الأوراق المثبتة لهذه الحقوق المعنوية فإنَّها تعتبر في ذاتها منقولاً ماديّاً، ومن ثم يمكن سرقتها ويعاقب سارقها إذا بلغت قيمتها نصاباً ما يساوي ثلاثة دراهم من الفضة أو ربع دينار من الذهب بغض النظر عما تضمنته من حقوق معنوية، وليس معنى ذلك أنَّ الحقوق المعنوية تصبح نهباً لكل من تسول له نفسه سرقتها، وإنما غاية الأمر أنَّها لا تخضع لعقوبة الحد؛ لأنها تدرأ بالشبهات، ولكنها تخضع لعقوبة التعزير وفقاً لما يقرره القاضي بشأنها.

فإنَّ سرقة الأفكار والإبداع في جميع مجالاته الأدبية والعلمية والفنية أمرٌ تحرّمه الشريعة الإسلامية وتأباه؛ لأنَّ فيه اعتداءً على حقوق الآخرين وضرراً لهم، وقد منع الإسلام الضرر؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَار"، ولقوله أيضاً: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ". ومن يقوم بهذه السرقة فإنَّه يخضع لعقوبة التعزير حسب ما يقرره القاضي وحسب الحال والمقام، ولا يخضع للعقوبة الحدِّية وهي قطع اليد؛ لأنَّها تدرأ بالشبهات، وسرقة الحقوق المعنوية كالأفكار والإبداع وغير ذلك لا تخلو من شبهة، وقد تتعلق بصعوبة الإثبات؛ إذ قد يتوافق الفكر والإبداع لدى أكثر من شخصٍ ويصعب تحديد صاحب الفكر أو الإبداع، ولذلك فإنَّ عقوبة التعزير هي التي توقع في مثل هذه الحالات، وهي ما يحدده القانون والقضاة.

 

المصدر: 

دار الإفتاء المصرية


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل