حكومة الأميركان وعبيد الإذعان ـ عدنان الساحلي

الجمعة 15 تشرين الثاني , 2019 10:34 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

ليس صحيحاً أن ما يجري في الشارع اللبناني، هو فتح جديد في صراعات والاعيب القوى الخارجية والمحلية؛ في تصارع محاورها على الحكم والنفوذ في لبنان. فما يسمى اليوم زوراً بأنه "ثورة" مجهولة النسب والهوية، شهدته بلادنا عام 1952 بما سمي "الثورة البيضاء"، التي خيبت آمال اللبنانيين وجعلتهم يدفعون ثمنها من دمائهم واموالهم.

في تلك المرحلة وضمن الهجوم الأميركي على المنطقة، لوراثة الإستعمارين الإنكليزي والفرنسي المتهالكين والمتصارعين في آن واحد، ظهرت "الجبهة الإشتراكية الوطنية" التي ضمت عدداً من الشخصيات أبرزهم حليفان لدودان هما كمال جنبلاط وكميل شمعون، إضافة إلى غسان تويني. ودعت تلك الجبهة إلى "ثورة" وعصيان مدني، ضد حكم رئيس الجمهورية بشارة الخوري (أبو الإستقلال) في منتصف ولايته الثانية ولوضع حد لفساد شقيقه سليم الخوري، الذي لقب ب "السلطان سليم" لاستغلاله نفوذ شقيقه وتسلطه على دوائر السلطة في البلاد.

قبل التجديد الأول لم يكن هناك حديث عن الفساد، فهذا الأمر صفة شاملة لكل رموز الطبقة السياسية، الآتي معظمهم من بيوت إقطاعية طالما تبعت أحد النفوذين الفرنسي أو الإنكليزي. والذين وصفهم فؤاد شهاب بعدها بعشر سنوات، بأنهم "أكلة الجبنة".

وكان الإعلان عن فساد السلطة السلاح الأبرز لإزاحة رئيس ونفوذ واستبدالهما برئيس ونفوذ آخرين. وبعدما نجحت "الثورة" وأوصلت كميل شمعون إلى رئاسة البلاد، كانت ثمرة وصوله اعلان نيته الإنضمام إلى "حلف بغداد". وهو أحد الأحلاف التي شهدتها حقبة الحرب الباردة. والذي أسس بقرار أميركي عام 1955 للوقوف بوجه المد الشيوعي في الشرق الأوسط. وكان يتكون إلى جانب المملكة المتحدة، من العراق وتركيا وإيران وباكستان. لكن هذا الحلف لم يشهد نجاحاً في تلك الفترة ، اذ انسحب العراق منه بعد ثورة 14 تموز/يوليو 1958 التي أطاحت بالنظام الملكي فيه. كما فشل شمعون في ضم لبنان إليه.

وادى صراع المحاور الأقليمية في ذلك الوقت، إضافة أدى تضارب حسابات وتحالفات ومطامع رموز "الجبهة"، خصوصاً شمعون وجنبلاط، إلى إشتعال ثورة حقيقية في لبنان يذكرها التاريخ ب"ثورة 1958"، التي إنتهت بالاتيان بقائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية.

وهذه الأيام، يضغط الأميركيون على لبنان للإنضمام إلى تحالف تبرز معالمه بين العدو "الإسرائيلي" وبين المملكة السعودية وإمارات النفط الخليجية، السائرة مثلها في الفلك الأميركي، للوقوف في وجه النظام الإسلامي الثوري في إيران ومعه "محور المقاومة".

وأول أهداف هذا التحالف، التخلص من المقاومة لإزالة مخاوف "إسرائيل" من سلاحها وقوتها. وإعادة إطلاق العنان للعدوانية "الإسرائيلية"، خصوصاً في فرض ترسيم "اسرائيلي" للحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة يراعي المطامع "الإسرائيلية". وكذلك لمقاسمة لبنان ثروته النفطية الواعدة، ليس فقط من قبل "إسرائيل"، بل كذلك من قبل الولايات المتحدة، التي لا يخفي رئيسها دونالد ترامب، إعلان مطالبته بحصة أميركية كبيرة من النفط العراقي والسوري والسعودي والخليجي بشكل عام. إضافة إلى وجود قرار أميركي بتوطين النازحين الفلسطينيين في لبنان ومنع عودة النازحين السوريين إلى بلدهم.

ويترجم هذا الضغط الأميركي بعقوبات إقتصادية ضد لبنان. وبتهويل سياسي وتحريك للقوى المحلية السائرة في الفلك الأميركي، لتحارب عهد الرئيس ميشال عون المتحالف مع المقاومة؛ ولتشكك بدور سلاح المقاومة وشرعيته المكتسبة من تحريره أرض الوطن من الإحتلال "الإسرائيلي" ومقاتلته التكفيريين وردهم عن حدودنا الشرقية ومطاردتهم وإبعاد خطرهم عن لبنان.

وآخر "سيناريوهات" التدخل الأميركي، افتعال إصدار ضريبة جديدة على مكالمات اللبنانيين عبر الهاتف الخلوي، من خلال تطبيق "واتس آب"، على أيدي وزير محسوب على الحريري وآخر محسوب على "حزب القوات"، حيث يجاهر الطرفان بتبعيتهما للأميركيين والسعوديين. وقصد بالضريبة إستفزاز الشارع اللبناني الغاضب من مجمل السياسات الإقتصادية، التي نفذتها حكومات الحريرية السياسية، التي كانت نتيجتها هدر مئات مليارات الدولارات؛ وإغراق لبنان تحت عبء ديون تتعدى المائة مليار دولار.

والوقاحة المفضوحة لهذا المخطط، استهتاره بعقول اللبنانيين، حيث حاول "القادة المجهولون" الذين تلقفوا غضب اللبنانيين، توجيه التحركات الشعبية ضد رئيس الجمهورية الذي لم تمض على ولايته ثلاث سنوات، في حين أن عمر الفساد المستشري والديون المتفاقمة، من عمر حكومات الحريرية السياسية في عهدي الأب والإبن وما بينهما، أي منذ ثلاثة عقود. وكذلك في الشروط التي تفرضها الإدارة الأميركية على تشكيل حكومة جديدة، بعد إستقالة سعد الحريري بفعل ضغوطها، وأولها استبعاد "حزب الله" عنها تحت حجة تشكيل حكومة غير سياسية، تطلق يد الحريري في استباحة ما تبقى من مال الخزينة وأملاك الدولة. فهل تخضع القوى اللبنانية لهذه الضغوط وتشكل حكومة إذعان تستعبد لبنان وشعبه، لينضم إلى جمهوريات الموز ومشيخات النفط، التي تمتص أميركا خيراتها وتستعبد حكامها، الذين بدورهم يستعبدون شعوبهم؟

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل