أعلام التصوف ... الشيخ العارف بالله محمود جنيد كعكة الحمصي

الثلاثاء 03 كانون الأول , 2019 03:59 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - التصوف

 

الشيخ العارف بالله محمود جنيد كعكة الحمصي

 

هو الشيخ العلامة المقرئ الجامع الفقيه الأصولي النحوي محمود بن محمد جنيد كعكة، الشافعي مذهباً النقشبندي طريقة، ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما.

ولد ـ على وجه التقريب ـ عام (1321 هـ ـ 1903 م ) في حمص الشام

والده: كان والده الشّيخ محمد جنيد كعكة تلميذاً للشّيخ سليم خلف ـ رحمه الله تعالى ـ وكان يقوم بشأن الزَّاوية النّقشبندية عنده ـ يسمونه شاويش الزاوية ـ اشتهر بالزّهد والورع، وشدة الحياء حتى إنّه كان لا يرفع طرفه عن الأرض حياءً.

ذهب مجاهداً في أواخر عهد الدَّولة العثمانيّة ـ في الحرب العالمية ـ ولم يعد. فنشأ أولاده الكرام أيتاماً في كفالة أمّهم، فصارت تصنع لهم الخبز فيبيعونه قرب الجامع الكبير ليكفوا أنفسهم عن سؤال الناس.

نشأته رحمه الله:

نشأ الشّيخ محمود رحمه الله تعالى في بيت مبارك مفعم بالإيمان والصّدق وترعرع فيه على فقر وقلّة ذات يد، فكان يعمل بالحرفة السائدة في تلك الأيام (النول) ليأكل من كسب يده ثمّ استقرّ أمره على تجارة متواضعة حتّى آخر حياته.

طلبه العلم رحمه الله:

بدأ الشّيخ رحمه الله طلب العلم في طريقه بالسياحة والمجاهدة والخلوة ثم أخذ العلم من مشاهير عصره من أمثال المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني الذي رحل الشيخ إليه ماشياً إلى دمشق ليأخذ عنه.

ـ وأجازه نزيل مكة السيد علوي المالكي في رواية الحديث بالسند المتصل وأجازه بأصول الفقه.

ـ وأخذ القراءات وعلوم القرآن من الشيخ عبد المجيد الدروبي والشيخ محمد الياسين.

ـوأخذ علوم العربية من الشيخ عبد الكريم أتماز السباعي.

ـ وأخذ علوم الآلة والفقه والتفسير من الشيخ أحمد صافي.

ـ وأخذ فن الفتوى من الشيخ طاهر الرئيس والشيخ عبد القادر خوجة.

ـ وأخذ الطريق من الشيخ أبي النصر خلف الحمصي النقشبندي.

ـ لازم شيخ الزهد والورع الشيخ راغب الدويري.

وأخذ من علماء كثيرين غيرهم يصعب حصرهم رحمهم الله.

 وله إجازات كثيرة بأسانيد عالية.

وقد كان يبدأ درسه في جامع سيف الله خالد بن الوليد يوم الجمعة بحديث من صحيح البخاري يرويه بسنده المتّصل إلى رسول الله بالشّرط المعتبر لدى أهل الحديث والأثر.

ـ بدأ الشّيخ التّدريس والوعظ في مساجد حمص ولم يتجاوز الثّانية والعشرين من عمره، رزقه الله التبحر في فقه الإمامين الشّافعي وأبي حنيفة رحمهما الله .

كان كثير البرّ بأمّه حتّى أنّه رفض الزّواج حتّى توفيت أمه خشية أن تأتيه زوجة تؤذي أمه ولو بكلمة.

وكان دائم الحزن والفكر، تظهر على وجهه مهابة الحقّ والاستقامة صاحب جلالٍ وهيبة، طاهر السيرة والسريرة، مثال البساطة والتّواضع في سمته وهيئته ونطقه، شديد الورع، تشعر عند لقائه بالأنس والطّمأنينة والمحبّة والسّكينة، أحد البكّائين العابدين، لا يترك صلاة التّهجّد.

آتاه الله علماً واسعاً وذكاءً حادّاً بديهة حاضرة، وأسلوباً في الدعوة نادراً، كان من أكثر العلماء تألماً على أحوال المسلمين. جريئاً في الحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، مُنكراً للبِدَع، مجاهداً في سبيل الله حياته مليئة بالمحن الشديدة والأزمات العنيفة، مثقلة بالأحزان التي لم تثن عزمه في طريق الدعوة إلى الله عز وجل لأنَّه قد وهب حياته وعقله وروحه للإسلام، ما ترك الكتاب والعلم في أحلك الظروف وأشدّ المحن.

كان كثيراً ما يقول لطلابه: "عليكم بالعلم و أخص من العلم علم الفقه فإنَّه لا بد لكل إنسانٍ أن يتعلمه" .

وكان إذا تكلم أخذ بمجامع القلوب.

اتسمت دروسه بسمتين بارزتين:

الأولى: التركيز على الفقه وأحكام الحلال والحرام.

الثانية: تطريزها بحكايات الصالحين وأخبارهم المرققة للقلوب ترويحاً للجَنان وتنشيطاً للأذهان، وكثيراً ما كان يردد: "عند ذكر الصالحين تتنزل الرحمة".

 وكان الناس يقصدون زيارته للانتفاع بالنظر إليه، إذ كانت رؤيته تنير القلوب، و تحرك الصلاح في النفوس، و تحبب في الدين و تذكر بالله تعالى .

منهج سيرته رحمه الله:

يتلخص منهجه في قول له كان يردده:(حُبِّب إليَّ من الدنيا ثلاث: الإحسان إلى الفقراء، ومجالسة العلماء، وزيارة الأولياء).

وسُئل مرةً عن كراماته فأشار إلى عشرات السنين التي أمضاها في تدريس العلم الشرعي وقال: (الاستقامة عين الكرامة) مع أنَّ له كراماتٍ كثيرة يعرفها عامة الناس حوله رحمه الله.

وقد صرفه عمله في الدعوة ونشر دين الله عز وجل عن التأليف والكتابة، إلا أنَّه ترك رسالة في أحكام الصوم على مذهب الإمامين الشافعيّ وأبي حنيفة رحمه الله طبعت عام "1960م".

ـ وبدأ بكتابة تفسير لكتاب الله ولم يتمه، وكان أحد مؤسّسي جمعيّة العلماء والمعهد العلمي الشّرعي بحمص الّذي تخرّج منه الكثير من العلماء والدّعاة.

وفاته رحمه الله:

توفيَّ ليلة الأحد 3 / ربيع الآخر / 1414هجري الموافق 19 / أيلول / 1993ميلادي

وكانت له جنازة عظيمة وآية من آيات المؤثرة في القلوب، تاب فيها الكثير من العصاة والمسرفين.

أغلق الناس محالّهم وزحفت فيها الجموع يتداولون نعشه على الراح حتى مقبرة الكتيب المباركة شرقي حمص، المقبرة التي حَوَت قبله عدداً كبيراً من الصحابة والأولياء والصالحين.

أجمع أهل بلده أنهم لم يروا مثلها وشبَّهها من رآها بجمع الحج الأكبر، وقبره دائم الحضرة يزار ويتبرك الناس بزيارته، وقد رثاه كثيرون من الأدباء والشعراء بقصائد طويلة من عيون الشعر.

 

صورة من جنازة الشيخ رحمه الله

الشيخ محمود جنيد


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل