"الحراك" الحريري ـ عدنان الساحلي

الجمعة 06 كانون الأول , 2019 10:18 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لم يرحم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو جماعة الحراك اللبناني، بل أكد دعمه لهم، في تصرف أميركي معتاد يستغل من يتعاون معه حتى إخر نفس، ثم يرميه أويبيعه في سوق النخاسة، عند أقرب محطة، مثلما فعل مع أكراد سورية.

فبومبيو أعلن دعمه للمحتجين في الشارع اللبناني مدعياً أنهم يثورون مطالبين باخراج إيران وحزب الله. كأنما إيران تحتل لبنان، أو أن حزب الله جالية أجنبية يمكن ترحيلها إلى حيث أتت. في حين يتناسى هذا الأميركي الوقح، أن لبلاده تسهيلات عسكرية في لبنان وقاعدة عسكرية في مطار حامات، عليها أن ترحل عنها، قبل أن يحين الوقت الذي يجبرها فيه اللبنانيون على الرحيل.

هذا الإستغلال الأميركي للأحداث اللبنانية، يتطابق مع إبداء رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو فرحه مما يحدث في لبنان. وإعلانه أنه سيستغل ذلك للضغط على حزب الله وإيران.

وهو ما يؤكد صدقية ما قلناه سابقاً عن سرقة ثورة اللبنانيين من قبل جماعة أميركا، وهم خليط من أحزاب وجمعيات وأفراد.

والواقع أن المشكلة لم تعد في من يقود الحراك الشعبي المحتضر في لبنان ومن يحدد وجهته وشعاراته، هذا الأمر أصبح معروفاً لدى كل من يتابع ويراقب الأحداث الجارية. السؤال الأهم أصبح: كيف ينقذ الصادقون والشرفاء مطالبهم المعيشية وحراكهم ، من شر الذين سطوا عليه ووجهوه باتجاهات لا علاقة لها بمعاناة الناس، بل وحرفوه لئلاّ يوجه إصبع الإتهام نحو الفاسد الحقيقي الذي يتزعم عصابة الفاسدين ويشكل صلة الوصل بينهم.

كنّا أمام حراك شعبي أشعلت أحتجاجاته ضريبة إجترحها وزير سعد الحريري محمد شقير. فإذا بالتظاهرات وقاطعي الطرق يصبحون صدى للحالة النفسية لرئيس الحكومة المستقيلة، يهدأ الحراك إذا هدأ الحريري. ويثور إذا تعكر مزاجه ولم يرض عن أوضاع التكليف والتأليف، لحكومة مقدر لها أن ترث الحكومة التي قدم هو إستقالتها. حتى بات الحديث عن إستقلالية الحراك" نكتة سمجة. كما بات هاجس اللبنانيين: هل سيسمح رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، أن يفلت هذا المنصب من بين يديه وهو الذي عرقل وما يزال يعارض، تكليف أي شخصية أخرى تشكيل حكومة ترث حكومته المستقيلة؟ أم أن ساحات "الثورة" على الفساد، كما يسميها رموزها، ستكون، كما إنكشفت حقيقتها، صدى لمواقف الحريري، خصوصاً أن قطع الطرق وساحات الشتم والردح، باتت مقتصرة على المناطق التي بإمكان الحريري توجيه رسائل إعتراضه منها. وكلما قطع طريق وارتفع صراخ غوغاء، بتنا نعرف أن سعد الحريري غير راض. ولو أن قاطعي الطرق ومدعي "الثورة" صادقون في أهدافهم، لما تجنبوا، منذ اليوم الأول للحراك، الإشارة الى أساس الفساد والإفساد في لبنان وهي الحريرية السياسية، التي أدارت البلد والحكومات بعقلية سعودية تخريبية هدفت إلى نهبه وإفلاسه وتسليم قراره السياسي إلى الأميركي و"الإسرائيلي" بعد التخلص من مقاومته. وها هي المطالب الأميركية و"الإسرائيلية" في الأرض والنفط والغاز تؤكد هذا الدور والحضور.

ولنتمعن في حراك بدأ بشعارات "كلن يعني كلن" قاصدا الفاسدين، فإذا به يسوق لعودة الحريري رئيساً للحكومة ويتظاهر ويقطع الطرق كلما دارت دفة التكليف والتأليف بغير إتجاهه.

في حين أن أحداً لا يستطيع أن يتجاهل أن سعد الحريري وسلفه الحريري الأب، مسؤولان عن إغراق لبنان بالديون وعن توسيع وتضخيم حالة الفساد والهدر في الدولة. وكذلك عن تعميم حالة التسلط على أملاك الدولة والناس ووضع اليد عليها، بقوة السلطة والتزوير.

ليست مشكلة "الحراك" في التصريحات الأميركية و"الإسرائيلية"، فهذا الأمر جاء تحصيل حاصل بعد إنحراف الحراك، منذ يومه الأول، عن كونه حالة غضب شعبي مبرر ومشروع. فإذا كان شقير أشعل شرارة غضب اللبنانيين، أفلم يكن من الطبيعي لحراك سليم القيادة والأهداف أن يكون على رأس شعاراته طلب محاكمة شقير؟ وهل سمع أحد بهذا المطلب، خصوصاً أن شقير كان قبلها بأيام قد صرف من مال اللبنانيين، أكثر من مائة مليون دولار لشراء مبنى لإحدى شركتي الخلوي، التي تستغل اللبنانيين وتبيعهم أسوء خدمة بأغلى سعر، بالتواطؤ مع مساعدي الحريري الذين طالما كانوا وزراء إتصالات؟

والأسوأ في ما آل اليه الحراك، أنه كان ينادي بشكل ببغائي، باسقاط النظام. فإذا به يتأثر ببيانات من يسمون أنفسهم "رؤساء الحكومات السابقين" وهم ثلاثة يحركهم الحريري، إثنان منهم متهمان بالإستيلاء على أموال اللبنانيين. والثالث مستضعف بينهم، لا يستطيع إلا أن "يبصم" لهم على مواقفهم، فهو سبق أن أسقطه "حلفاؤه" الحاليون في الانتخابات، ثم منّوا عليه فيما بعد بالنيابة، بعد أن إنتزعوا منه الجمعية التي أورثته الزعامة. والمضحك المبكي، في ظل هذا الحراك، أن شخصاً كفؤاد السنيورة، الذي لم يكن بين الأغنياء واصبح من أصحاب المليارات، بات هو ومثيله نجيب ميقاتي، ينظران ضد الفساد. فهل هناك حراك يرضي الأميركي وينفذ أوامره، أفضل من قطاع الطرق "الثائرين" في لبنان؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل