تربية الأبناء .. دور الأسرة في حماية الطفل من التطرف

الإثنين 13 تموز , 2020 02:49 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات 

 

تربية الأبناء

دور الأسرة في حماية الطفل من التطرف

 

الأسرة كيان مقدَّس في نظر الإسلام، وهي اللَّبِنَة الصالحة الأساسية في بناء المجتمع الإنساني السليم، ولهذا أَوْلَى الإسلام بناءها عناية فائقة، وأحاط إنشاءها بأحكام وآداب تكفل أن يكون البناء متماسكاً قويّاً، يحقِّق الغاية الكبرى من وجوده، ولأنَّ الشباب جزء من بناء الأسرة، بل هم الذين سيؤسسون أُسراً أخرى بمجرد زواجهم، فقد خصهم ديننا الحنيف بالرعاية والعناية، التي تسعى إلى تقوية صلتهم بدينهم، وتعزيز انتمائهم لوطنهم، واستثمار طاقاتهم؛ للإسهام في إعمار بلادهم.

إنَّ الحلقة المفقودة في النقاش المرتبط بالتطرف وسبل مكافحته هي الأسرة، فأغلب التحليلات المرتبطة بمكافحة التطرف تركز على دور المناهج المدرسية أو الإعلام أو الفقر أو البطالة والعوامل السياسية، وغيرها من الأسباب؛ لكن نادراً ما نلاحظ تحليلات تركز على دور الأسرة في هذا الشأن.
الأسرة تعتبر الحلقة الأهم في عملية التنشئة الاجتماعية والسياسية، العلاقات الأسرية ليست علاقات نفعية، وإنَّما هي علاقات حميمية ترتكز على التفاعل المستمر، وبدرجة عالية من الارتباط بين أفرادها، واعتمادهم على بعضهم البعض بالإضافة لذلك، فعلاقات السلطة القائمة بين أفراد الأسرة تلعب دوراً مهماً في عملية الإقناع والاقتناع، لذلك لا تزال الأسرة هي المؤسسة الأهم في تنشئة الأجيال، مع أهمية المدرسة والإعلام.

والأسرة قد لا تكون هي السبب في تطرف أبنائها، لكنها بعدم اهتمامها بهم وقضاء الوقت اللازم معهم ومحاولة سد احتياجاتهم والتعامل مع مشكلاتهم، وخصوصاً في مرحلة المراهقة والشباب، فإنها تهيئ الظروف لانزلاقهم للتطرف والعنف، سواءً كانت تجلياته سياسية أم اجتماعية.
بالطبع، الأسرة لا تسيطر على كافة المدخلات الفكرية والإيديولوجية التي يتعرّض لها الأبناء بالمدرسة، أو من قبل الأصدقاء أو من خلال وسائل الإعلام المختلفة. ولكنها حلقة مهمة جداً لأنَّها تتفاعل مع أبنائها بشكل مستمر، وتستطيع أن تلمح أي تغيرات في سلوكهم واكتشاف أي مظاهر للمشكلات التي قد يعاني منها الأبناء.

وقد انتبهت العديد من الهيئات والمؤسسات لأهمية الحماية الأسرية للأطفال، وما تفرضه هذه التحديات على الآباء والأمهات من ضرورة الاعتناء الجيد بأبنائهم وتحصينهم ضد هذه الأفكار المتطرفة والهدامة.

 ولعل السؤال الذي يشغل عقل الآباء والأمهات، هو: كيف أبعد طفلي عن التطرف؟ وهل هناك وسائل تجعله غير متطرف في المستقبل؟ وما دوري في مساعدته وحمايته؟

والإجابة على ذلك:

1-لا تمارسوا العنصرية داخل الأسرة: الأسرة هي عالم الطفل الأول، منها يكتسب الخبرات، ويتعلم بالمحاكاة، ويتخذ من الوالدين قدوة... فإذا كنتم تمارسون العنصرية ضد زوجاتكم، فأرجوكم توقفوا عن ذلك، فإنَّ طفلك يتأثر بكم ويقلدكم وسوف يكون عنصرياً هو أيضاً، وهناك نوعان من العنصرية: عنصرية معلنة، وهي التي يؤمن بها الفرد ويعبر عنها قولاً وفعلاً، والعنصرية الخفية، التي يمارسها الفرد بصورة غير واعية، فهو يؤمن بقيم التسامح والمساواة والحرية، وعلى الرغم من ذلك تأتي أفعاله عنصرية تماماً.

 وقد تختلف أوجه العنصرية الخفية داخل الأسرة، فالتمييز بين الأخ وأخته عنصرية، ومعاملة الأم بلهجة آمرة عنصرية، وتدليل البنت على حساب الصبي عنصرية، والرفع من شأن الصبي في مقابل البنت عنصرية، والعنصرية بذرة التطرف، قد تزرعونها في أطفالكم دون وعي منكم، فاحذروا.

2-لا تتركوا الأطفال فريسة للرسوم المتحركة: التلفزيون هو نافذة الطفل لعوالم أخرى، والطفل ينجذب إلى الألوان والموسيقى والخيال وحب الاكتشاف، لذا فهو يعشق الرسوم المتحركة، ولكن: هل هذه الرسوم آمنة؟ في الحقيقة لا، ولنضرب مثلاً: توم وجيري... صراع أبدي بين فصيلين مختلفين، قط وفأر، أمَّا الرسائل المبطنة التي ينقلها للطفل، فهي عنصرية، لأنَّ السيدة الشقراء ذات البشرة البيضاء تدلل القط، وتسمع الموسيقى، وتعامله بلطف بينما صاحبة البشرة السمراء مجرد خادمة عنيفة وبدينة وقبيحة ولا يظهر منها سوى النصف السفلي، ودائماً ما تكون مُزعجة! والعنصرية ضد المختلف سواء في البشرة أو العرق أو الدين بداية للتطرف، وعلاجها يتمثل في تقبل الآخر وتفهمه ومساعدته عند الحاجة.

3-شاركوا أطفالكم في اللعب، وتجنبوا الألعاب القتالية: كيف نترك أطفالنا يقضون الساعات في ألعاب دموية تحرض على العنف؟ غالبية تلك الألعاب تعتمد على القتال، وكي تمر من مرحلة لأخرى يجب أن تقتل كلَّ من يقابلك. بذلك يرسخ بداخل الطفل أنَّ القتل هو كلُّ ما يحتاجه للحصول على ما يريد، أمر قبيح أن تسمع طفلك يهتف بحماس بأنَّه قد قتلهم جميعاً، لابدَّ من استبدال هذه الألعاب بألعاب تعتمد على الذكاء والابتكار والمشاركة.

4-احذروا الإفراط في التفاخر والتوبيخ: "أنت أسوأ طفل في العالم"، "لم أقابل في حياتي من هو أغبى منك"، "أنت فاشل"، "يجب أن تكون الأفضل"... يسقط ولي الأمر ضحية الإفراط في التفاخر أو التوبيخ، هو يتمنى لطفله أن يكون ناجحاً، لكنه يتخذ الطرق الخاطئة، التفاخر المبالغ به يجعل من الطفل نرجسياً، والنرجسية أبشع صور العنصرية، فالشخص يرى نفسه الأفضل والأجمل والأعظم والجميع أقلُّ منه، وبالتالي يمكنه استغلالهم واحتقارهم، وغالباً ما يصاب الشخص النرجسي بالتطرف، وهو لن يتردد في تدمير العالم من أجل الحفاظ على ذاته، وأما باعتماد التوبيخ ومقارنة الطفل بزملائه، فنحن بذلك نحطمه، ونصيبه بما يعرف بـ"اضطهاد النفس"، فيصبح ناقماً على كلِّ الدنيا، ويعتبر أنَّ الجميع أفضل منه، وهم سبب فشله، مما لا يجعله يتردد من التخلص منهم عندما تحين الفرصة. ولحل تلك المعضلة علينا أن نقيّم أعمال أطفالنا بدلاً من إطلاق الأحكام، فإذا أخطأ الطفل، نناقشه، لماذا أخطأ؟ كيف يعالج المشكلة؟ ثم نقيّمه على الفعل، فإن فشل، فعليه أن يعيد المحاولة، وإن نجح فسيدرك أنَّه نجح بفضل بمجهوده.

5-التواصل الأسري حماية من دون اعتماد أسلوب الوصاية: أفضل حماية من التطرف تأتي من خلال الأسرة، تحديداً التواصل بين أفراد الأسرة. ويجب أن ترفعوا الوصاية عن أطفالكم، والتوقف عن التحدث بلهجة آمره للأبناء "كُل، ذاكر، أسكت، نم"... فأنتم بتلك الطريقة تقطعون حبل التواصل، وعدم التواصل سوف يسحبه إلى متواصل آخر قد يكون صاحب أفكار متطرفة، ولعلَّ أبشع مثال لذلك الداعشي الذي أعدم أمه، والآخر الذي قتل والده لتجنب تلك الكارثة علينا أن نقيم الحوار مع الأبناء، وأن نناقشهم ونشاركهم، ونترك لهم المساحة للتعبير. 

6-لا تجعلوهم طرفاً في قضيتكم: لا تتعاملوا مع أطفالكم على أنَّهم امتداد لكم، فتحرصوا أن تورثونه قضاياكم، خصوصاً إذا كانت تتسم بالعنف والتطرف، إذا كنتم تواجهون قضية عرقية أو قبائلية فاحجبوها عنه، فمن حق طفلكم أن يحلم بمستقبل مختلف، وهناك أشكال أخرى يجب أن تحذروها: ميولكم، فقد تكونون متعصبين لفريق كرة قدم مثلاً، فتورثون ابنكم التعصب دون أن تدروا، والتعصب أقرب الطرق للتطرف.

7- التعرف على ثقافات أخرى مختلفة: يجب على الآباء بأن يخصصوا وقتاً محدداً يشاركون فيه أبناءهم متابعة العالم والتعرف على ثقافاته المختلفة، الغريبة والبعيدة، يجب أن يعرف الطفل أنَّ هناك شعوباً أخرى مختلفة، ولها ثقافتها الخاصة التي ينبغي أن يتقبلها ويحترمها، فتقبل الآخر يقضي على العنصرية والتطرف.

8- إبراز خلق التسامح في الدين واستيعاب الآخر: لابدَّ أن نقدم لأطفالنا النصوص الدينية التي تعبّر عن التسامح واحترام دين الآخر حتى نحميهم من هذا المصير الأسود، ولابدَّ أن ننتقي ما ينشر المحبة والسلام وليس ما يجلب الخراب، معتمدين على الرسالة السمحة للإسلام، وعلى سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وتعامله بإحسان مع أصحاب الديانات الأخرى رغم الاختلاف.

9-افتحوا لهم مجال المساهمة في الأعمال التطوعية: ادفعوا أطفالكم للمشاركة في الأعمال التطوعية والخيرية، وساعدوهم على إدراك أنَّ هناك من يحتاج للمساعدة، وأنَّ تقديم المساعدة للآخر هي الطريقة الحضارية لحل الأزمات، فالطفل بطبيعته متعاطف، غير أنَّه لا يعرف كيف يعبّر عن تعاطفه، وتعبيره بطريقة خاطئة قد يدفعه للتطرف.

10-تعليم الطفل الفهم الصحيح للدين: من أهم طرق الوقاية من التطرف أنَّ نحرص على وضع أولادنا في مساجد أو مدارس تعلمهم الدين الصحيح البعيد عن التطرف والتشدد، لأنَّ حاجة الإنسان للدين فطرية، فإن لم يوجد من يلبي له هذه الحاجة بشكلٍ سليم، استغلَّ هذا الفراغ أصحاب الأفكار المتطرفة لتوجيهه لما يريدون.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل