حكومات الإستدانة تخرب الأوطان ـ عدنان الساحلي

الجمعة 24 تموز , 2020 10:59 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

عبثاً يحاول رئيس الحكومة حسان دياب، إقناع اللبنانيين بأن الحكومة التي يترأسها، تختلف في سياساتها وممارساتها عن الحكومات التي سبقتها. خصوصاً الحكومات الحريرية التي قادت عمليات نهب البلد وإفقار شعبه وإغراقه في مستنقع الديون، الذي لا يحمل الأفق أي بشائر بالخروج منه، لا خلال جيلنا ولا حتى جيل أبنائنا وأحفادنا. 

تتصرف حكومة دياب وكأنها غريبة عن البلاد وجاهلة بمشاكلها وهمومها، أو بمصادر الفساد المستوطن فيها. وتتباطأ في حركتها وكأنها تريد كسب الوقت. فيما الجوع والعوز يضرب شرائح واسعة من اللبنانيين. علماً أن الطفل في لبنان، قبل الكبير، يعرف من هم السارقون والفاسدون، المتحالفون ضد البلد والناس وضد الحق والعدل ورسالة الأديان. وإن كان بعض كبار لابسي أثواب التدين، من ركائز تحالف أصحاب المصارف وزعماء الطوائف، الممسك برقاب اللبنانيين والناهب لثرواتهم والمتسلط على حاضرهم ومستقبلهم. 

أخطر ما يهدد ما تبقى من آمال بحكومة دياب، أنها تصرّ على مواصلة السير في درب الإستدانة، الذي خطته الحريرية السياسية وأورثته لمن سار على خطاها؛ فهل يعقل أن تتجه الحكومة إلى الإستدانة، فيما خزينتها وميزانياتها عاجزة عن خدمة الدين العام الموروث، الذي يتضاعف حجمه بالفوائد العالية التي جرى تقصد تكبير أرقامها، لتكون وسيلة إثراء لأركان التحالف المذكور، في ما بات يسمى "حزب المصارف"، الجامع لكبار السياسيين وكبار الرأسماليين. والذي لم يتورع كبار رجال الدين عن حمايتهم من الملاحقات القانونية، بخطوط تتلون حسب الإنتماء الطائفي لكبار الفاسدين.

 ومن اللافت أن تحالف النهب والفساد، يتصرف بطمأنينة إلى أنه سيحمّل المواطن اللبناني، ثمن الجرائم المالية التي ارتكبت خلال العقود الماضية. وإلا لما كان يصرّ على السير في طريق مؤتمر "سيدر" حيناً وطريق صندوق النقد الدولي حيناً آخر. وهذا توغل في الإجرام بحق لبنان وقتل مقصود للبنانيين. وهو يتم عن وعي ودراية بما ستؤول اليه الأمور.

يقول جون بركنز الخبير الإقتصادي الأميركي، في كتابه "إعترافات قاتل إقتصادي"، أن الأميركيين يستخدمون المنظمات المالية الدولية، لخلق ظروف تؤدي إلى خضوع الدول النامية لهيمنة النخبة الأميركية، التي تدير الحكومة والشركات والبنوك. وأن القروض المعطاة للدول النامية لتطوير بنيتها الأساسية وقطاعات الخدمات، تخرج من المصارف الأميركية لتدخل إلى خزائن الشركات الأميركية، أو حتى إلى تلك المصارف. وأن النجاح الكبير هو في إقناع المقترض تكبير حجم دينه، حيث يتأكد تعثر المدين بعد بضع سنوات، فيأتي دور الدائن لفرض شروطه، التي تتنوع من التبعية السياسية إلى السيطرة على موارد معينة في البلد المدين، أو قبول تواجد عسكري للدائن على أرضه، وهكذا تتم السيطرة على الدول وقرارها وسيادتها وثرواتها. ولا ينسى الإشارة إلى أن تلك القروض تفيد أقلية في البلد المدين (النخبة) التي تزداد ثراء، على حساب الأغلبية التي تزداد فقراً.

أليس هذا ما نعيشه في حالة نظام التبعية والفساد الذي انشأته فرنسا وورثته عنها أميركا، التي تمنع لبنان منذ الستينيات من استخراج النفط من أرضه. وتمنعه حالياً من استخراج الغاز من بحره، مشترطة إعطاء قسم منه للكيان الإستعماري الصهيوني الذي يحتل فلسطين. وهل هناك تبعية أكثر من التستر على الوجود العسكري الأميركي المنتشر في لبنان، خصوصاً في قاعدة حامات في البترون.

ويكشف بيركنز عن جانب غير مرئي في خطة القروض والمشروعات المنفذة بها، هو تكوين مجموعة من العائلات الثرية ذات النفوذ السياسي والإقتصادي داخل الدولة المدينة، تشكل إمتداداً للنخبة الأميركية وتعتنق أفكارها ومبادئها واهدافها، بحيث ترتبط سعادتها ورفاهيتها بالتبعية الطويلة الأمد للولايات المتحدة الأميركية. أليست الوكالات الحصرية المعطاة لبعض العائلات والمناقضة لمبدأ حرية الإقتصاد، هي وسيلة تكوين تلك النخبة؟

كما يكشف أن دوره  الأولي "كقرصان اقتصاد" كان أن يقنع دول العالم الثالث بقبول قروض هائلة، أكبر بكثير من حاجتها لتحسين بنيتها التحتية. أليس هذا ما فعلته الحريرية في إغراق لبنان بديون فاقت ما دفع على المشاريع المحددة بأضعاف؟

ويلفت بيركنز إلى دور الدولار في هذه الهيمنة الجهنمية، فالولايات المتحدة التي تطبع دولارات بلا حدود، تقدم القروض بهذه العملة، مع ادراكها الكامل أن معظم الدول النامية لن تتمكن من سداد ديونها. أما الدول التي لا تسير في ما ترسمه لها الولايات المتحدة، فمصيرها مثل العراق وإيران وفنزويلا وغيرها، يتراوح بين الغزو أو الحصار أو التآمر وتأليب الداخل على حكومته بشتى الوسائل.

فهل تدعي حكومة دياب أنها في خضوعها للتبعية الأميركية يمكن أن تبني وطناً للبنانيين، بدلاً من المزرعة التي إستنزفها رعاتها حتى جاعت قطعانها؟

      


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل