أعلام التصوف .. الشيخ علي الدقر رحمه الله

السبت 08 آب , 2020 03:15 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - التصوف

 

أعلام التصوف

الشيخ علي الدقر رحمه الله

 

 

أولاً: نشأة الشيخ 

ولد الشيخ علي في دمشق عام 1294هـ – 1877م لأبٍ تاجر صالح محسن، ومن أسرة دمشقية عريقة، ولأمّ صالحة محسنة، تنفق من مالها، كما ينفق زوجها التاجر الثري عبد الغني الدقر من ماله الكثير، وكان لا يدخل إلى جيبه شيئاً من المعاش الذي يأتيه من الأوقاف، ولا يخلطه بماله، بل كان ينفقه على طلابه الفقراء بأريحية تذكّرنا بأجواد العرب في بوادي العرب، وكانت أيام الحرب الكونية الأولى وما تلاها من سنين عجاف، أشبه ما تكون بتلك البوادي القاحلة، وكان فيها الجواد.

 

ثانياً: صفات الشيخ رحمه الله

كان الشيخ علي الدقر جميل الصورة، ناصع البياض، أزرق العينين، حلو التقاسيم، له لحية بيضاء كبيرة تزيده جمالاً، وكان كلاهما يتخذ العمامة التجارية من القماش الهندي المطرّز، لا العمامة البيضاء، عمامة العلماء.

 

ثالثاً: تعليمه وطلبه للعلم

كدأب الناس في زمانه (القرن الرابع عشر الهجري) تعلّم في (الكتّاب) القراءة والكتابة وشيئاً يسيراً من القرآن الكريم، ثم انتقل إلى مدرسة الشيخ عيد السفرجلاني، وأمضى فيها بضع سنين، أفاد منها شيئاً من علوم اللغة العربية، وعلوم الدين، ثم لازم الشيخ محمد القاسمي، وقرأ عليه من علوم العربية والدين ما أهّله لتدريس شيء من علم النحو ومن الفقه الشافعي، وشيخه سعيد بما يراه من نجابته وعلمه وورعه.

وصحب المحدّثَ الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني، وكان من أحبّ تلاميذه إليه، وأقربهم منه، وقرأ عليه الكتب الخمسة، كما قرأ على غيره من علماء الشام كالشيخ أمين سويد، ما جعله عالماً فقيهاً يشار إليه بالبنان.

 

رابعاً: وعظه وإرشاده

قد جمع الشيخ بين العلم والعمل، فكان نشاطه الدعوي مشهوداً حيثما حلّ وارتحل، في مساجد دمشق وغيرها من المدن والقرى السورية، وكان له تأثير كبير فيمن يلقاه من الناس، فازدحم على دروسه العلمية والوعظية كبار تجار دمشق وصالحوها، وكان يدعوهم إلى التعاون والتحابب والإيثار، ويحرّم عليهم وينهاهم عن الغش والاحتكار، ويرسخ قواعد التعامل بينهم في سائر علاقاتهم الأسرية والاجتماعية والتجارية، ويحضّهم على التمسّك بتعاليم الإسلام العظيم.. كل ذلك بأسلوب فريد من نوعه.

 

خامساً: النهضة العلمية

كان الشيخ علياً كان محبّاً للعلم، شغوفاً به شغفاً جعل أباه التاجر الكبير يأسى لحاله، ويشكو إلى بقّال صديق ما قد يؤول إليه مصير ولده عليّ الذي ترك التجارة، ولحق المشايخ ودروسهم في المساجد، وترك المال والعزّ والجاه الذي يرتع هو وأولاده الآخرون في نعيمه، فيما الشيخ علي زاهد في كلّ ذلك، مقبل على طلب العلم، والجلوس بين أيدي المشايخ، وشاء الله أن يمتدّ العمر بذلك البقال، ليرى ما وصل إليه الشيخ علي من العزّ، وهو يراه من دكانه، وقد حفّ به أصحاب العمائم، فيتذكّر شكوى أبيه الحاج عبد الغني، وخوفه الفقر والعوز على ولده، يتذكّر هذا فيهتف بأعلى صوته: "أين أنت يا أبا صادق، لترى العزّ الحقيقي لابنك الشيخ علي".

وثمة سبب آخر، هو ما كان عليه التعليم الرسمي في زمن الفرنسين من بُعْدٍ عن الله وعن تعاليم الإسلام ومبادئ الأخلاق، وتأثر بالغرب وعلومه، فكّر الشيخ عليّ مليّاً فيما يعمل، واستخار الله تعالى، ثم هداه تفكيره إلى البديل عن تلك المدارس ذات المناهج العلمانية.. والبديل في إنشاء مدارس ومعاهد شرعيّة، تعلّم العقيدة، وأحكام الإسلام، والعلوم الشرعية، والعلوم العربية التي هي مفتاح العلوم الشرعية.

 

سادساً: جهاده ضد الفرنسين

وعرف الفرنسيون المستعمرون دور الشيخ علي الدقر وتلاميذه في اندلاع الثورة، فأحرقوا مقرّ الجمعية الغراء، وجامع تنكز معاً، قبيل جلائهم عن سورية، انتقاماً وإجراماً، ولكن الجمعية أعادت بناء مقرها، مع معهد العلوم الشرعية، وثانوية السعادة التابعين لها، على طراز حديث، وجمعت في هذا المعهد سائر طلابها الشرعيين، كما عملت على إعادة بناء جامع تنكز بناء حديثاً جميلاً.

 

رحم الله الشيخ علي الدقر، فقد كان منارة علم، وفضل، وكرم، كما كان عالماً عاملاً بما علم، ساعياً إلى نشر العلم الشرعي الذي يورث الخشية من الله، فيبني الرجال، ويدفعهم إلى الجهاد في سائر ميادين الحياة، لينشروا نور الإسلام، وتعاليمه الخالدة، وأخلاقه الكفيلة ببناء المجتمعات على أسس سليمة، وتنفي منها الخبث والدنس.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل