عن زلزال بيروت  ـ رامز مصطفى

الإثنين 10 آب , 2020 10:23 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

ما تعرضت له بيروت قبل أيام هو زلزال بكل ما في الكلمة من معنى ، مع فارق أنّ زلزال بيروت بل لبنان ليس من فعل الطبيعة ، بل من فعل البشر . مخلفاً وراءه ما يفوق وصفه من حجم الخراب والدمار ، الذي لم يسلم منه بشر أو حجر أو شجر ، وهو بذلك قد قضى ولو لزمنِ على مقدرات دولة لا ينقصها مما تعانيه من كارثة اقتصادية وصحية واجتماعية . ، وهؤلاء ليسوا من جنس البشر إلاّ في الهيئة والتكوين ، ما عدا ذلك هم وحوش أدمية أكلت كما يُقال الأخضر واليابس في لبنان ، ليأتي الانفجار المهول ليقضي على ما أبقته تلك الوحوش ولو على بصيص من أمل .

ما تعرّض له لبنان من انفجار نال من بيروت ، عاصمة المقاومة ، وعروس المدائن ، شرّعَ الأبواب على مصرعيها ، تحليلاً وسجالاً وتضليلاً واتهاماً ، واستدراجاً لعروضٍ سياسية في المطالبة بالحيادية والتحقيق والوصاية الدولية ، في محاولة لإعادة عقارب الزمن إلى 15 عاماً يوم اغتيل الرئيس رفيق الحريري ، وأُدخِلّ لبنان في نفقٍ مظلم لا يزال يُعاني منه حتى اليوم .

في قراءة هادئة ومتأنية لما تعرّض له لبنان بسبب هذا الانفجار ، الذي وصِف على أنه ثاني انفجار بهذه القوة والقدرة التدميرية  بعد هيروشيما قبل 75 عاماً من اليوم : -

- ما يلفت الأنظار ، هو التوقيت الذي تتقاطع معه مجموعة من الأحداث والتطورات التي يشهدها لبنان ، وصولاً إلى المستويين الدولي والإقليمي . فمحلياً السجال السياسي المستعر أوصل لبنان إلى حافة الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي مع دخول جائحة كورونا كمستجد على مجموع تلك الأزمات ، مع حصار أميركي خانق بهدف إخضاع الدولة والحكومة اللبنانية ، وتنفيذ مطالب الإدارة الأميركية ، والتي في الأصل هي مطالب الكيان الصهيوني في رفض ترسيم الحدود البحرية ، وبالتالي سحب سلاح حزب الله ، الذي يوقف قادة الكيان على "رجل ونص" . إنما يُدلل على أنّ الحادث الأخطر الذي مرّ على لبنان ، ليس بريئاً أقلّه حتى تقول الدولة اللبنانية كلمتها الفصل في هذا الشأن لجهة الجهات المتورطة سواء أشخاص أو دول .

- ربطاً بما سبق ، التفجير بهذه الطريقة وما أكده العديد من الخبراء والمحللين والمراقبين ، وحتى التصريحات والمواقف التي سبقت الانفجار ، أو بعده تقول أنّ التفجير متعمد ، وهذا ما أكده الرئيس ترامب حين قال : " إنّ جنرالات أميركيين أبلغوه بأن انفجار بيروت سببه قنبلة من نوع ما " ، ومضيفاً " يبدو كأنه اعتداء رهيب " . وأصابع الاتهام تشير هنا إلى الكيان الصهيوني ، ونتنياهو على وجه الخصوص ، الذي يحاول جاهداً افتعال أحداث من شأنها أن تغير مشهد ما يعانيه من أزمات داخلية وخارجية ، تحاصره أينما أدار وجهه . والتظاهرات غير المسبوقة بشقيها  ، المطلبي المعيشي ودعوة نتنياهو إلى الاستقالة على خلفية ملف الفساد وتفشي وباء كورونا في الكيان . وبالتالي الأزمة المتصاعدة بينه وبين شركائه من تكتل "أزرق أبيض" برئاسة بيني غانتس ، في حكومة ما تسمى ب " الوحدة " ، تؤشر باتجاه الذهاب إلى انتخابات مبكرة ل" الكنيست " ، هي وإلى جانبها التحديات الخارجية التي يفرضها محور المقاومة لا سيما حزب الله .

- مسارعة البعض إلى كيل الاتهام إلى حزب الله أنه المتسبب في الانفجار الفاجعة ، من خلفية تخزينه السلاح من صواريخ ومادة الأمونيوم في العنبر رقم 12 . هذه الاتهامات أتت في سياق الاستغلال السياسي ومصائب الناس والكارثة التي حلت بهم ، والمفجع أنها استندت إلى معلومات تحدثت عنها صحيفة " هآرتس " العبرية . وما دخول الكيان الصهيوني على خط التحريض على حزب الله ، إلاّ في إطار البرنامج المُعد له بهدف تنفيذ ما تبقى من القرار 1559 . ومن المؤكد أنّ هذه الاتهامات محض افتراءات ، تمّ دحضها من قبل السيد حسن نصر الله في اطلالته المتلفزة ، حيث نفى بلغة الواثق والحازم أن يكون للمقاومة أية أسلحة في مرفأ بيروت ، وهي أي المقاومة ليست معنية أن تعرف ما فيه ، بقدر ما هي معنية أن تعرف ما في ميناء حيفا ، من أجل حماية لبنان والمقاومة . هذه المُسارعة تقف خلفها استهدافات سياسية ، المؤسف أنها تتقاطع مع مواقف العدو الصهيوني شاء أم أبى أصحابها ، الذين تناوبوا على استجرار طروحات تتعلق بالمطالبة بالتدويل والتحقيق الدولي ، وتوقيع وثيقة الكترونية ، طالب أصحابها بفرض الانتداب الفرنسي على لبنان ، وبإسقاط الحكومة واستقالة رئيس الجمهورية . ولعلّ أولى تلك التصريحات هي الدعوة التي أطلقها رؤساء لحكومات سابقين ، مع عدد من المرجعيات السياسية ، اعتقاداً منهم أن الظروف والأوضاع التي أوجدها الانفجار فرصة سانحة للانتقام السياسي على طريقة العام 2005 ، حيث اغتيال الرئيس الحريري ، أتى بالمحكمة الدولية التي أجلت نطقها بالحكم أو الاتهام في قضية اغتيال الرئيس الحريري إلى موعد لاحق من هذا الشهر ، والسبب الواهي هو الانفجار .

- انفجار أو تفجير مرفأ بيروت ، المُراد منه تسريع الانهيار الاقتصادي والمالي ، بل ما هو أبعد من ذلك ، حيث قانون قيصر الأمريكي الذي يستهدف سورية اقتصادياً . بمعنى أنه الرئة الاقتصادية التي يتنفس منها لبنان ، والشريان الذي يمد سوريا بالبضائع، وبالتالي أرادوا قطعه ، بهدف المزيد من خنق سوريا حتى ترضخ للرؤية السياسية الأميركية التي أعلن عنها المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري في حزيران الماضي . وبسبب دمار مرفأ بيروت سيتولى مرفأ طرابلس مهامه إلى حين إعادة إعماره ، وإلى حينه ، فإنّ أية بضائع ستتوجه إلى سورية هناك من ينتظرها على الطريق المؤدي إلى الحدود السورية لمنعها من إكمال وجهتها ، وهذا ما حصل في 13 حزيران الماضي ، عندما أوقف متظاهرون بالقرب من منطقة التبانة شاحنات متوجهة إلى سورية ، وإجبارها على تفريغ حمولتها . وبالتالي ما يطمح له الكيان الصهيوني ومنذ اغتصابه لأرض فلسطين ، أن يكون ميناء حيفا الأول في المنطقة ، ليكون معبراً للبضائع من وإلى دول الخليج والعراق . لذلك المهمة المُلحة والمُستعجلة في عدم التلكؤ في إعادة بناء مرفأ بيروت .

- رغمّ مأساوية المشهد المؤلم والمفجع ، بتقديري أنّ لبنان القوي قادر على تجاوز محنته ، وأنّ الشعب اللبناني العنيد يمتلك من الإرادة ما يحفّزه على تجاوز مصائبه ، ومشهد التكافل والتضامن الاجتماعي رسالة واضحة لكل من يريد الأذى ، أنّ لبنان بقوة جيشه وشعبه ومقاومته لقادر على حماية لبنان الحر والسيد والمستقل .

                                                                                                            

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل