المَصائِبُ والمحِن قَدْ تَكُونُ بَاباً للرجوعِ إلى اللهِ تعالى

السبت 15 آب , 2020 01:17 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات 

 

المَصائِبُ والمحِن

قَدْ تَكُونُ بَاباً للرجوعِ إلى اللهِ تعالى

 

معرفة اللهِ عز وجل هي أهم الأمور والقضايا التي بنبغي على كلُّ مسلم أن يسعى إلى الإلمام بها؛ حيث إنَّها ترتبط بأساس العقيدة وخلق الكون، وهو الأساس المتعلق بمعرفة ربِّ وخالق هذا الكون ومدبِّرِه، وبالإله الأحق بالإفراد بالعبادة، أي بعقيدة التوحيد بشكل مباشر، وهو أمرٌ ضروري بالبداهة؛ حيث إنَّه كيف سوف يتسنَّى للإنسان الإيمان اللهِ تعالى، والإذعان والتسليم، وإفراده بالعبادة من دون معرفته، ومن دون فهم أسباب أحقيته سبحانه بالعبادة من دون أي إلهٍ آخر مُدَّعً من جانب البشر وضلالاتهم!

ومن الأمور التي ترتبط ارتباطاً موضوعيّاً كذلك بنواحٍ عقدية، مثل الإيمان بالقضاء والقدر، والذي هو أحد أركان الإيمان الستة المعروفة، وأولها الإيمان بالله، وكيفية تحقيق اللهِ عز وجل لبعض صفاته وأسمائه المتعلقة بتدبير شؤون الخَلْق بصوره المختلفة، باعتبار أنه مُدبِّرُ الأمر، وقيُّوم السماوات والأرض، وأول شيء ينبغي الالتفات إليه في هذه النقطة، هو أن تقييم اللهِ تعالى للأمور والأحداث، مختلف تماماً عن نظرتنا نحن كبشر للأمور؛ حيث إنَّ منظور اللهَ تعالى للأمور، وإدارته لها، تكون في إطار شمولي متكامل، للحفاظ على توازن الكون، وبالتالي استمراريته، إلى أن يشاء الخالق، وتنتهي الدنيا بكل ما فيها ومَن فيها.

إنَّ تقييم اللهِ تعالى للأمور والأحداث، مختلف تماماً عن نظرتنا نحن كبشر للأمور؛ حيث إنَّ منظور اللهَ تعالى للأمور، وإدارته لها، تكون في إطار شمولي متكامل، للحفاظ على توازن الكون، وبالتالي استمراريته، إلى أن يشاء الخالق، وتنتهي الدنيا بكلِّ ما فيها ومَن فيها، وهذه الفكرة قال بها حتى الفلاسفة غير المسلمين، وحتى الذين ظهروا قبل نزول الديانات السماوية؛ من أن الغرور يصور للإنسان أنَّه محور هذا الكون، وأنَّ المرحلة الزمنية التي يعيشها، بأحداثها، هي الأهم، وهي التي حدث الماضي كله لكي يهيأ لها المجال، وأنَّها هي التي سوف ترسم مستقبل البشرية.

وهي كلها ضلالات خاطئة، فمهما كانت خيريتنا؛ فإنَّ الدنيا والخلق لا تقف عند أي عنصر جزئي؛ إنسان أو حدث أو ما شابه، واللهُ تعالى في تدبيره للخلق، وقيامه على شؤون الدنيا بما فيها ومَن فيها، لا يقف عند مرحلة زمنية معينة أو عند شخص بعينه، أو حدث، أو ما شابه، وإنما الأمر خاض لاعتبارات التوازن والاستمرارية، وبما لا نعلمه من حكمة ومشيئة اللهِ تعالى، والتي، أولاً؛ لن نفهمها، وينبغي ثانياً، أن نقبلها ونسلِّم لها، طوعاً أو كرهاً، واكتساب هذا الفهم، وأن يقر في ضميرنا وعقيدتنا، إنَّما يكون نتاج عددٍ من الأمور، من بينها التربية الإيمانية والفكرية الصحيحة، وتلقِّي العلم السليم، وهذا ما لا يوجد في كثير من الأحيان في مجتمعاتنا المسلمة، فيحدث ما نراه من انحرافات في العقيدة والتفكير.

وفي الحقيقة فإنَّ معرفة الإنسان الحقيقية باللهِ تعالى، لن تقوده إلا إلى المزيد من الإيمان به، وأن يكون أحب إليه ممَّن سواه، فعلى أقل تقدير؛ سوف يعلم الإنسان علم اليقين أنَّ اللهَ تعالى لم يخلقه لكي يعذِّبه أو يشقيه، وأن المتاعب وأوجه وصور الشقاء المختلفة فيها الكثير من الخير، بينما في الأصل، لا يلتفت الإنسان إلى حقيقة بديهية، وهي أن ما يحدث له من سوء ومتاعب، إنما يكون هو نتاج عمله، الشرير أو المنقوص الذي تغيب عنه قواعد السلوك السليم أو الرشيد التي تضمن النجاح لأي فعل.

إنَّ معرفة الإنسان الحقيقية باللهِ تعالى، لن تقوده إلا إلى المزيد من الإيمان به، وأن يكون أحب إليه ممَّن سواه، فعلى أقل تقدير؛ سوف يعلم الإنسان علم اليقين أن اللهَ تعالى لم يخلقه لكي يعذِّبه أو يشقيه، وأن المتاعب وأوجه وصور الشقاء المختلفة فيها الكثير من الخير، ولن نقول هنا الخطاب التقليدي المعروف الذي يقوله بعض العوام من الناس بفطرتهم السليمة، من أنَّ اللهَ تعالى "لم يخلقك ليشقيك"، وإنَّما نقول إنَّ ذلك موجود في القرآن الكريم؛ من أنَّ اللهَ تعالى قد يهدينا ويرشدنا بواسطة العقاب والشدة والبلاء.

ولدينا في سُورَة "الروم" آية تلخِّص كل ذلك يقول تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، الآية واضحة تماماً في معناها، فهي تشير أولاً إلى أن ما نعانيه، والفساد هو أسوأ صور الشقاء والمعاناة، مع ما فيه من ظلم وضياع حقوق وفلتان أخلاقي يهدد حتى الأمن الشخصي للإنسان، والذي هو – أي الإحساس بالأمان – أول سُلَّم الاحتياجات الإنسانية، ولا تنهض حياة سليمة من دونه، وثانياً هي تشير إلى أنَّ اللهَ تعالى يذيق الإنسان من المعاناة والابتلاء بما كسبت يداه، وفي النهاية تقول الآية بأن جانبًا من حكمة اللهِ تعالى في ذلك، هو أن يرتجع الناس، ويرشدون، ولو أن اللهَ تعالى يكرهنا، وخلقنا لكي يعذِّبنا، أو خلقنا عبثاً – حاشا للهِ تعالى – ما فعل ما يعيدنا به إلى جادة الصواب.

واختيار الابتلاء والعقاب وسيلةً لذلك من لدنه عز وجل؛ إنما هو لحكمة بالغة، فاللهُ تعالى يعلم مَن خلق، ويعلم الإنسان حق العلم، وهو اللطيف الخبير، وبالتالي، فهو يعلم أنَّ الشدة والضغط لهما أعمق الأثر على الإنسان، الذي جُبِلَ على النسيان إذا ما كان في راحةٍ من أمره، أو أصابته نعمة.

اختيار الابتلاء والعقاب وسيلةً لذلك من لدنه عز وجل؛ إنِّما هو لحكمة بالغة، فاللهُ تعالى يعلم مَن خلق، ويعلم الإنسان حق العلم، وهو اللطيف الخبير، وبالتالي، فهو يعلم أنَّ الشدة والضغط لهما أعمق الأثر على الإنسان، الذي جُبِلَ على النسيان إذا ما كان في راحةٍ من أمره، أو أصابته نعمة، والقرآن الكريم فيه الكثير من القصص والمواقف التي تقول بذلك، فهناك قوم السفينة الذين كادت أن تغرق بهم، ودعوا اللهَ تعالى لأن ينجيهم، ولمَّا نجاهم، بغوا في الأرض وظلموا. يقول تعالى في سورة يونس: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.

وعلى العكس فقد يكون من غضب اللهِ عليك ونقمته – عافانا اللهُ تعالى – ألا ينبهنا، ويقول القرآن الكريم إن اللهَ تعالى إذا ما أراد بقومٍ سوءاً؛ لا ينقذهم من غفلتهم، ويتركهم في ظلمهم وخطيئتهم حتى يأخذهم بغتةً بعذابه، والآيات في ذلك كثيرة، نأخذ منها قوله تعالى في سورة الأنعام: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ}، وقوله سبحانه في سورة المؤمنون: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ}.

وكلُّ الآيات القرآنية التي وصف اللهُ تعالى فيها حضور الساعة بغتةً، كانت عن القوم الظالمين والكافرين، وليس عن المؤمنين، مع سوء وقعها في هذه الحالة، فلا يملك الإنسان فيها فرصة توبة أو رجوع أو استغفار، وبالتالي؛ فإن الابتلاء والعقاب من اللهِ تعالى ليس علامة كراهية أو خروج من رحمة اللهِ تعالى، وإنَّما قد يكون علامة محبة من خالقك إليك، وتنبيهاً وهدايةً، وفي هذا كلُّه؛ الإنسان هو الفيصل، بنواياه وعمله .

لذلك فإنَّ عليك واجباً مهمّاً في مثل هذه الحالات؛ أنْ تبحث وتحقق وتدقق فيما قمت به وفعلته في حياته، وتصحح ما تجده فيه من انحرافات وشرور وآثام يقول تبارك وتعالى في سورة آل عمران: {وَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل