أهم الأحداث في شهر محرم .. "تعليق قريش الصحيفة لمقاطعة المسلمين"

الخميس 03 أيلول , 2020 02:41 توقيت بيروت التاريخ الإسلامي

الثبات - التاريخ الإسلامي

 

أهم الأحداث في شهر محرم

تعليق قريش الصحيفة لمقاطعة المسلمين

 

كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صاحب مكانةٍ رفيعةٍ في قريش، حيث كان من بني هاشم؛ أفضل الناس نسباً في مكّة، بالإضافة إلى محبّةٍ خاصّةٍ سببها حُسن خلقه، وكرم نفسه، وطهر قلبه، فقد كان يلقّب بالصادق الأمين قبل البعثة، ولكن لمّا جاءهم برسالة الإسلام، تحوّلت المحبّة إلى حربٍ ضروس بكلّ أنواعها ومعانيها، وكانت تلك الحرب تشتدّ كلّما دخلت دعوة الإسلام مرحلةً جديدةً، كما تنوّعت أساليب صدّهم عن سبيل الله، فتارةً بالترهيب والتهديد، وتارةً بالسياسة والترغيب، وأخرى بالقتل والتعذيب.

ومن هذه الأساليب صحيفة المقاطعة الاقتصادية والاجتماعية، فبعد أن وجدت قريش أن المسلمين يزدادون يوما بعد يوم وسياسة التعذيب والاضطهاد لم تثنهم عن عقيدتهم، وأن مهاجري الحبشة يتمتعون بحماية ملكها، ومسلمي مكة يجاهرون بصلاتهم منذ أسلم عمر رضي الله عنه ، ورسول الله ممتنع ببني هاشم لذا فكرت قريش في مواجهة شاملة تواجه بها محمداً عليه الصلاة والسلام وأصحابه ومن يناصرهم فاتفقوا على مقاطعة بني هاشم فلا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم ولا يبيعوهم شيئاً ولا يبتاعون منهم حتى يسلموا محمد إليهم فيقتلوه، وكتبوا ذلك في صحيفة عرفت بـ"صحيفة المقاطعة" وعلقوها في جوف الكعبة ضمانا لتنفيذها وأخذوا العهود والمواثيق فيما بينهم للالتزام بتنفيذ ما جاء بالصحيفة.

وأصرَّ بنو هاشم وبنو عبد المطلب مسلمهم وكافرهم عد أبي لهب على نصرة نبينا محمد عليه الصلام والسلام، وحمايته وأمام هذه المقاطعة اضطروا إلى الخروج من مكة والالتجاء إلى شعب أبي طالب في جبل أبي قبيس -أحد الجبال المحيطة بمكة-، فحاصرتهم قريش بها وكانوا لا يستطيعون الخروج منها إلا في الأشهر الحرم، ونفذت قريش الحصار بكلِّ دقة فرصدت العيون على بني هاشم، ولم تترك طعاماً ولا بيعاً يصل إليهم إلا سبقوهم إليه فاشتروه، وكان أبي جهل ينادي في التجار الوافدين على مكة أن لا يبيعوا بني هاشم شيئاً من تجارتهم، ويشتريها منهم بأضعاف ثمنها فكان الواحد من بني هاشم إذا خرج لشراء طعام أو غيره ضاعف التاجر سعر السلعة، فلا يقدر على شرائها ويعود إلى أطفاله بلا طعام وهم يتضرعون من الجوع.

وطال الحصار على رسول الله وبني هاشم، وأنفقوا جميع ما يملكون ولم يبق لديهم شيء من مال أو طعام أنفقت خديجة كلُّ ما تملك وأنفق أبو طالب ما عنده وأنفق كلُّ بني هاشم ما عندهم، وكادوا يهلكون جوعاً فاضطروا إلى أكل أوراق الشجر وكلِّ ما ظنوه يسد رمقهم، يقول سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه وكان أحد المحاصرين، خرجت ليلة لأبول فسمعت قعقعة تحت البول، فإذا قطعة من جلد بعير يابسة فأخذتها وغسلتها ثم أحرقتها وطحنتها وسففتها بالماء فقويت بها ثلاثة، وقال أحدهما: وطئت ذات ليلة على شيء رطب فرفعته إلى فمي فابتلعته فما أدري ما هو إلى الآن.

وتحمل الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه عناء هذه المقاطعة بصبر وجلد، وكانت الآيات القرآنية تنزل لتزيدهم ثباتاً وتطالبهم بالصبر وتحدي الحصار والقطيعة، ولم يثن ذلك الرسول عن نشر دعوته فكان يخرج في مواسم الحج والتجارة يدعو كلَّ من وفد مكة إلى الإسلام، ولقد عاب بعض هؤلاء على قريش موقفها من بني هاشم وأعجبوا بثبات محمد وأصحابه فاستحسنوا الإسلام فاعتنقوه وكان هذا على عكس ما أرادت قريش من المقاطعة

وأراد الله للمحنة الرهيبة أن تزول وللغمة أن تنكشف وأن يجتاز المسلمون الابتلاء بنجاح، فاطلع جبريل النبي صلى الله عليه وسلم على أن صحيفة المقاطعة التي كتبتها قريش قد أكلت الأرضة كلَّ ما فيها من ألفاظ القطيعة والظلم ولم يبق بها إلا أسماء الله فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام عمه أبا طالب بذلك فخرج إلى قريش وأخبرهم بما قاله النبي وقال: فإن كان صادقاً علمتم أنكم ظالمون لنا، قاطعون لأرحامنا، وإن كان كاذباً دفعته لتقتلوه.

ووافق ذلك أنَّ قام خمسة رجال من قريش هم هشام بن عمرو وزهير ابن أميه والمطعم بن عدى وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود عابوا على قومهم ما فعلوه ببني هاشم واتفقوا على نقض الصحيفة، فطاف زهير بالبيت سبعاً ونادي في أهل مكة أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يباع ولا يبتاع منهم!! والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة، فعارضة أبو جهل فقام أصحاب زهير الأربعة ووافقوه على رأيه وقالوا: أنهم لا يرضون ما كتب في الصحيفة ولا يقرونه، فقال أبو جهل، هذا أمر قضى بليل، فقام المطعم ليشق الصحيفة فوجدها على الصورة التي أخبرهم الرسول عنها، قد أكلت الأرضة كلَّ ما فيها إلا أسماء الله وبذلك خرج بنو هاشم وبنو المطلب من الشعب وعادوا إلى مكة ليمارسوا حياتهم العادية ولكن قريشاً استمرت في اضطهادهم وتعذيبهم وكان خروجهم من الحصار في السنة العاشرة من البعثة.

وعلى الرغم من قسوة الحصار وشدة وطأته على المسلمين، فقد عاد بالخير عليهم وعلى الإسلام إذ عابت القبائل العربية على قريش سلوكها الشائن مع بني هاشم فلم يحدث أن سلكت قبيلة عربية مع أحد بطونها هذا السلوك الغريب، كما كان لموقف التحدي الرائع الذي وقفه المسلمون أثر كبير في اجتذاب بعض أفراد هذه القبائل للإسلام، أمَّا قريش فقد هانت في أعين المسلمين بعد أن فشلت كلُّ محاولاتها للنيل من الإسلام والمسلمين.

 

دروس وعبر وفوائد

1- من المهم أن تعلم بأن حماية أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم له، لم تكن حماية للرسالة التي بعث بها، وإنما كانت لشخصه من الغريب، وإذا أمكن أن تستغل هذه الحماية من قبل المسلمين كوسيلة من وسائل الجهاد والتغلب على الكافرين والرد لمكائدهم وعدوانهم فأنعم بذلك من جهد مشكور وسبيل ينتبهون إليها.

2- انتصر أبو طالب في غزو المجتمع القرشي بقصائده الضخمة التي هزت كيانه هزًّا وتحرك لنقض الصحيفة من ذكرنا من قبل، أولئك الخمسة الذين يمتون بصلة قرابة أو رحم لبني هاشم وبني المطلب واستطاعوا أن يرفعوا هذا الظلامة وهذا الحيف عن المسلمين وأنصارهم وحلفائهم وخططوا له ونجحوا فيه وفي هذا الموقف إشارة إلى أن كثيراً من النفوس والتي تبدو في ظاهر الأمر من أعمدة الحكم الجاهلي، قد تملك في أعماقها رفضاً لهذا الظلم والبغي، وتستغل الفرصة المناسبة لإزاحته، وعلى أبناء المسلمين أن يهتموا بهذه الشرائح، وينفذوا إلى أعماقها، وتوضح لهم حقيقة القرآن الكريم ، والسنة النبوية الشريفة.

3- ظاهرة أبي لهب تستحق الدراسة والعناية؛ لأنها تتكرر في التاريخ الإسلامي، فقد يجد الدعاة من أقرب حلفائهم من يقلب لهم ظهر المجن، ويبالغ في إيذاء الدعاة، وحربهم أكثر بكثير يلقونه من خصومهم الألداء الأشداء.

4- كانت هذه السنوات الثلاثة للجيل الرائد زاداً عظيماً في البناء والتربية حيث ساهم بعضه في تحمل آلام الجوع والخوف، والصبر على الابتلاء، وضبط الأعصاب، والضغط على النفوس والقلوب، ولجم العواطف عن الانفجار.

5- كان لوقوف بني هاشم وبني المطلب مع رسول الله وتحملهم معه الحصار الاقتصادي والاجتماعي أثر في الفقه الإسلامي، حيث إن سهم ذوي القربى من الخمس يعطى لبني هاشم وبني المطلب، ويوضح ابن كثير فيقول: «وأما سهم ذوي القربى، فإنه يصرف إلى بني هاشم، وبني المطلب؛ لأن بني المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية وفي أول الإسلام، ودخلوا معهم في الشعب غضباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحماية لهم، مسلمهم طاعة لله ورسوله وكافرهم حمية للعشيرة وأنفة وطاعة لأبي طالب، وأما بنو عبد شمس وبنو نوفل وإن كانوا بني عمهم فلم يوافقوهم على ذلك بل حاربوهم ونابذوهم ومالؤوا بطون قريش على حرب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان ذم أبي طالب لهم في قصيدته اللامية أشد من غيرهم لشدة قربهم.. وفي بعض الروايات هذا الحديث: "إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام" وهذا قول جمهور العلماء إنهم بنو هاشم وبنو المطلب.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل