الإنتخابات الأميركية بين معاهدة نووية وحروب أهلية وفصل المحكمة ـ يونس عودة

الثلاثاء 20 تشرين الأول , 2020 11:14 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

على مسافة أيام قليلة ، يفترض أن يختار الاميركيون رئيسا الولايات المتحدة ، بين دونالد ترامب المتوجس من الخواتيم ، وبين جو بايدن الذي بدأت تعطيه الانتخابات التمهيدية أفضلية ليست بالبسيطة .ولذلك يحتدم وطيس الاستقطاب الشعبي على كل المستويات، ولو باللجؤ الى مصطلحات قذرة الى حد الهبوط الاخلاقي في التخاطب، بين المتنافسين، كانعكاس واقعي للثقافة الاميركية اللاقيمية .

أما على المستوى الخارجي حيث سياسة الدولة العميقة هي المتحكمة في إدارة الصراعات والنزاعات يلتقي الخصمان على استمرار السياسة العدوانية تجاه الدول غير المرعوبة من التهديدات الاميركية وعصاها الدولية ، ولكن التكتيكات تختلف بينهما، في كيفية تنفيذ السياسات العدوانية، وتلتقي في بعض الأحيان وفق الحاجات.

في الثالث من تشرين الثاني المقبل يقترع الاميركيون على البرامج الداخلية لكلا الحزبين ، وسط تراجع شعبية ترامب جراء ملفين أساسيين ، أديا الى انقسام مجتمعي حاد.

الاول : الفشل في إدارة أزمة كورونا، والارتباك الكبير في التعبير عن الأزمة ، أكان بشأن الحقائق، او الاباطيل من جانب الادارة ما ادى الى تمرد العديد من المدن ، والضرب بعرض الحائط حتى بالنصائح الطبية جراء تراجع الثقة بالادارة مع الاتهامات التي تكال لها في كل مكان، الأمر الذي دفع ترامب، كالذئب الجريح لاتخاذ إجراءات، والتصريح بكلمات ربما يندم عليها كثيراً فيما بعد،عبر توجيهه الاتهامات بالفشل والتقصير للحكام الديمقراطيين للولايات ومحملا إياهم تبعات الفشل.

 

والثاني: تصاعد العنصرية جراء وفاة جورج فلويد اختناقاً تحت ركبة ضابط أميركي أبيض لديه سجل حافل بالاتهامات بالعنصرية، ودفاع ترامب المستميت عن البيض بمواجهة اصحاب البشرة السمراء والتبريرات التي ساقها ما أضعف شعبيته بعد أن كانت كل الظروف في صالحه للفوز بولاية ثانية: استنادا الى نجاحات اقتصادية كبيرة، واجبار الدول الخليجية على دفع اتاوات مع توجيه أهانات علنية لملوك وامراء خليجيين، وكذلك ابتزاز الاوروبييين ،وشركائه الاطلسيين، ومستويات منخفضة للغاية من البطالة، ومعارضة يسارية تبدو ضعيفة ومشتتة، وإدارة باتت كلها تخضع لرؤيته هو ومن معه من شخصيات ، إضافة الى مناكفات واسعة دوليا سواء مع الصين ، أو روسيا ، ولعل أخطر الامور كانت الانسحاب من معاهدة الحد من الاسلحة المتوسطة والقصيرة المدى، مضافا الى ذلك رفض واشنطن حتى وقت قصير تمديد معاهدة "ستارت 3"، المتعلقة بتدابير خفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها.

 

يحاول ترامب ان يقوي أوراقه مع وصول الفصل الاخير للانتخابات الى الميدان الفاصل ،عبر مغازلة روسيا بالاعراب عن أمله في توقيع معاهدة نووية جديدة ، يغري فيها الشعوب الاميركية بالأمن المفقود داخليا بعد موجة التسلح غير المسبوقة،وتنامي الحديث عن حرب أهلية ، فترامب يحتاج إلى مفاجأة قبيل الانتخابات، تعطيه ورقة رابحة تغير الوضع بالكامل وتسمح له باللحاق ببايدن، وتجاوزه، والفوز عليه. ولذلك فأن الاختراق ممكن في السعي للحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي. فابدى إرادة التفاوض مع روسيا بشأن الحد من الأسلحة النووية قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية ، لكن المستهجن ان ترامب لم يتفق عقله التجاري مع الروس قبل الآن، اذ ان موسكو اقترحت منذ فترة طويلة تمديد العمل ب ستارت-3. حتى شباط، موعد انتهاء الاتفاقية،فهل ستقدم روسيا له خشبة الخلاص وورقة الفوز سيما ان  التوصل إلى اتفاق جديد يتطلب عملاً مديدا على مستوى الخبراء. بينما لم يعد يفصل عن الاستحقاق الرئاسي إلّا أياماً قليلة. يضاف الى ذلك الاستمرار في محاولات تطويق روسيا دولياً من كل الجوانب سواء عبر دول البلطيق ، أو شرق أوروبا ، والهائها في النزاعات من اوكرانيا الى روسيا البيضاء وصولا الى القوقاز .وقي هذا الصدد ، قال رئيس مركز الأمن الدولي بمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أليكسي أرباتوف: "لقد أدركت إدارة ترامب، أخيرا، أن ستارت-3 ليست سيئة كما كانت تقول عنها سابقا. ومع الأخذ في الاعتبار مقدار الدمار الذي ألحقه الأميركيون بهندسة الأمن العالمي، يحاول الرئيس الأميركي أن يثبت لناخبيه قبل الانتخابات أنه أبرم اتفاقا في مجال الأمن. ولحفظ ماء الوجه، طرح الجانب الأميركي موافقته على تمديد ستارت-3 مرفقة بحزمة من الشروط والملاحظات.

 

إلى ذلك، فسوف يغير الأميركيون شروطهم باستمرار"، أي بمعنى اخر مواصلة سياسة المناورة والكذب وكسب الوقت ، لذلك من المستبعد، ان توافق موسكو على السير في ملاقاة شروط واشنطن المتغيرة باستمرار، وتقديم ورقة ذهبية لترامب على طبق صدئ.

ربما لن تستطيع الولايات المتحدة أن تجري انتخابات (رئاسية) حرة ونزيهة، وأن تعرف انتقالاً شرعياً وسلمياً للسلطة في حال هُزم الرئيس دونالد ترامب من قبل جو بايدن، ذلك لأنه إذا كان نصف البلاد سيعتقد أن أصواته لم تُحتسب بشكل كامل بسبب تخريب متعمد في خدمة البريد الأميركي، وإذا أُوهم النصف الآخر من قبل الرئيس (ترامب) بأن أي صوت يدلى به عبر البريد لمصلحة جو بايدن هو تزوير وغش انتخابي، فإن ذلك لن يؤدي إلى انتخابات متنازع عليها فحسب – على غرار قضية «بوش الابن ضد آل غور»، والتي أحيلت إلى المحكمة العليا من أجل البت فيها – بل إن ذلك سيكون نهاية الديموقراطية الأميركية كما نعرفها، كما أنه ليس من المبالغة القول إنه يمكن أن يزرع بذور فتنة وطنية وحرب أهلية أخرى.

 

لا شك ان المجتمعات الاميركية تعيش أعلى درجات القلق مما سيكون عليه مطلع الشهر المقبل ، في ظل انهيار الثقة بما تردد على مدار نحو مئة عام عن ديمقراطية غير مسبوقة في العالم ،لكنها فشلت في ترسيخ مثل الا في استثمار الاقوياء لمجهودات الضعفاء ، والكثير من الاغبياء الذين يراودهم حلم هو اشبه بفيلم هوليوودي ،وهؤلاء لن يصحوا الا عندما يكتشفون إن "النظام الانتخابي في أميركا من أسوأ الأنظمة في العالم".وهذا تعبير لاحد الذين راقبوا الانتخابات رسميا على مدى 3 دورات .وما يثبت ذلك ما كررته تقديرات الخبراء الأميركيين أنفسهم، والتي تفيد بأن "بيانات أكثر من 20 مليون شخص مدرجين في قوائم التصويت الأولية لا تتوافق مع الواقع، ونحو 1.5 مليون منهم متوفون ". وقال مدير مؤسسة دراسة مشكلات الديمقراطية، مكسيم غريغوريف: سنلاحظ في الانتخابات المقبلة حملتين للتزوير - جمهوري لترامب وديمقراطي لبايدن"- ويمكن أن تتحول الجولة النهائية إلى مهزلة. فسوف يشكك كل من المرشحين في فوز الآخر".فيما وسائل الإعلام الأميركية، تتوقع بالفعل أن لا تنتهي حملة 2020 في مراكز الاقتراع، إنما في قاعات المحاكم". هذا في افضل الاحوال ، اما اذا رفض ترامب تسليم السلطة في حال خسارته ، فقد لا تبقى الولايات متحدة، وأفاد استطلاع حديث أجراه مركز أبحاث الرأي العام لعموم روسيا (فتسيوم)، بانعدام الثقة لدى الروس، الذين يتابعون الانتخابات الرئاسية الأميركية عن كثب، في نزاهة الانتخابات الأميركية وشفافيتها.

وقال رئيس قسم التحليل السياسي في المركز، الباحث الاجتماعي ميخائيل مامونوف، خلال مائدة مستديرة حول موضوع "كيف تجري الانتخابات الرئاسية الأميركية؟"، التي نظمها معهد الخبرة للبحوث الاجتماعية: إذا تحدثنا عن صيغة الانتخابات غير المباشرة القائمة في الولايات المتحدة، فإن 66% من الروس أعلنوا أن مثل هذا النظام عاجز عن ضمان عدالة التعبير عن الإرادة".

وتوقف المشاركون في المائدة المستديرة عند أربع حالات على الأقل، في تاريخ الديمقراطية الأميركية، فاز فيها مرشح بعدد الأصوات في البلاد ككل، بينما دخل منافسه البيت الأبيض رسميا.

 

ووفقا لمدير مؤسسة دراسة مشكلات الديمقراطية، مكسيم غريغوريف، فإن التصنيف المنخفض الذي قدمه الروس الذين شاركوا في استطلاع "فتسيوم" للديمقراطية الأميركية يتوافق مع الوضع الحقيقي للأمور. وأشار إلى أن ممثلي مجلس العموم أتيحت لهم فرصة حضور انتخابات 2012 الأميركية كجزء من مجموعة من المراقبين الدوليين. وقال: "لقد رأينا بأعيننا ما كان يحدث في مراكز الاقتراع. أستطيع تأكيد أن النظام الانتخابي في أميركا هو من أسوأ الأنظمة في العالم".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل