السعودية ازمات غير مسبوقة ومتعددة ... السقوط بحفره ــ يونس عودة

الثلاثاء 24 تشرين الثاني , 2020 08:00 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يرتطم النظام السعودي بأزمات غير مسبوقة منذ نشوئه بحد السيف, وعلى جماجم الالاف من أهل نجد والحجاز, وأبادة عائلات وازنة في التاريخ المحلي, مثل آل الرشيد.
وتبدو أزماته المتعددة مستعصية إلى حد بعيد, وهي تهدد النظام برمته, إذا بقي على إصراره في الهيمنة العابثة بحقوق الآخرين وحقهم في الاختيار الاجتماعي والسياسي, وإذا لم يعترف جراء مكابرته, بان سياساته أغرقته بالأزمات, ولا نفع باغراق المحيط بالتوترات .
إن الحرب التي شنها النظام السعودي على اليمن وشعبه عمقت ازمته السياسية والأخلاقية, وارهقت ميزانية الدولة الأكثر انتاجا للنفط, ليس فقط على ارتهانه لسياسة التسليح الأميركي التي اثبتت أن لا طائل من القتل والتدمير في اليمن, مقابل شعب فقير في الثروة المالية, لكنه أثرى الأثرياء على مستوى الكرامة الوطنية, والدفاع عن سيادته الوطنية، بقوة شكيمة لا تجارى في كل المنطقة إذا لم يكن في العالم, وهي التي تنجز انتصارات متواصلة ليس اخرها السيطرة على معسكر ماس الاستراتيجي شمال شرقي البلاد, على طريق تحرير مأرب.
إن النظام الحاكم في السعودية أصبح أسير العبث والغطرسة الأمر الذي جره, بسبب تناقض المصالح إلى الاشتباك مع اعتى حلفائه في العدوان - أي دولة الامارات إلى حروب في المناطق التي يسيطر عليها التحالف العدواني في الجنوب حيث تزهق يومياً أرواح عشرات الضحايا, بين قوات حكومة منصور هادي , وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي ,وقد سيطرت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي الاسبوع الماضي على عدد من المواقع في محور الطرية بمحافظة أبين جنوب شرق اليمن، بعد معارك شرسة استمرت أربعة أيام متتالية بين قوات حكومة منصور هادي الموالية للسعودية , والقوات التابعة للمجلس الانتقالي، ولا تزال مستمرة.ما ادى مقتل نحو 50 مقاتلا من كلا الطرفين وأصابة 90 آخرين, فضلا عن المدنيين, جراء المواجهات التي تركزت على مدينة زنجبار، مركز محافظة أبين، وتم وصفها بأنها الأشد ضراوة منذ أشهر, وكل ذلك على مذبح السلطة المغامرة لولي العهد السعودي المأزوم, محمد بن سلمان, الذي بات يعتبر مصّنع كراهية من نوع جديد, يوازيه في ذلك ولي عهد ابوظبي, محمد بن زايد ,مدمر "تاريخ والده المجيد" اكان من حيث انشاد الوحدة, او العداء للكيان الصهيوني, وهو الشريك المضارب لنظيره السعودي, بالاعتماد على تقييم الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما الذي امتدحه بالقول انه " شاب، محنك، وربما أذكى زعيم في الخليج". وبالتالي يكون الأقرب لاميركا الديمقرطيين بخلاف بن سلمان الذي ارتمى باحضان الجمهوريين, ولاسيما إدارة دونالد ترامب على الرغم من الاهانات المباشرة, له ولوالده, من ترامب مباشرة وعلى الملأ, وتدفيعهما اتاوات غير مقطوعة, الى جانب الزامهما بصفقات سلاح بمئات مليارات الدولارات, من دون رفع حاجب, ولو من باب رفع العتب.
مشكلة السعودية لا تنحصر في اليمن وحسب, انما مشكلتها الاخرى, التي تسبب لها "الصداع النصفي", يكمن في ازمتها مع قطر وجرت معها الامارات, والبحرين التي لا حول لها, وكذلك مصر مقابل بدل مالي تحتاجه بقوة, اضافة الى العداء المشترك للاخوان المسلمين . وها هي مع خسارة ترامب للانتخابات الرئاسية الاميركية, تناور بشأن العلاقات القتيلة مع قطر, لعلها تفتح كوة في جدار الازمة, بعد ان بنت حائطا مانعا لعودة العلاقات بشكل ما, يمكن ان يكون راس جسر مع الادارة الاميركية الجديدة ,وفي هذا السياق قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، إن بلاده تستمر في البحث عن سبيل لإنهاء الخلاف مع قطر، و" أن حل الخلاف مع قطر "مرهون بعلاج مخاوف أمنية مشروعة".، مضيفا أن الرياض لديها علاقات طيبة ورائعة وودية مع تركيا. لا بل ان الملك اتصل بالرئيس التركي تحت عنوان التنسيق بشأن قمة العشرين وبحث العلاقات الثنائية على اعتبار انه يمكن ان يضرب عصفورين بحجر واحد , وهما عودة الود مع تركيا , وبالتالي قطر الرهينة الى حد بعيد بالموقف التركي, وهذا الاخير يراهن على الادارة الاميركية الجديدة برئاسة جو بايدن, والثاني الدخول ما بين تركيا وايران, مع ارتفاع منسوب العداء الخليجي لايران مع تعاظم الانخراط في المشروع الاسرائيلي التطبيعي, وهو ليس بعيدا عن تركيا وقطر, وانما بشروط اقل انبطاحية تجاه اسرائيل, الا ان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، اكد أن الرغبة في حل الأزمة الخليجية يجب أن تكون لدى كل الدول الأطراف في النزاع. وأوضح أنه "سواء تم هذا الأمر من خلال الرئيس الأميركي دونالد ترامب أو الرئيس المنتخب جو بايدن، فإن أي حل يمكن التوصل إليه يجب أن يقوم على أساس من النوايا الطيبة من جانب دول الحصار ودولة قطر أيضا".في وقت أكد سفير الإمارات لدى واشنطن، يوسف العتيبة أنه لا يعتقد أن الأزمة بين قطر ودول خليجية قريبة من الحل، مع استمرار الانقسام في عامه الرابع.وقال خلال حلقة نقاشية مع نظيريه، الإسرائيلي والبحريني، أن العلاقة مع قطر" ليست على قائمة أولويات أي شخص". "إنهم يريدون أن يسلكوا طريقهم، ونحن سنذهب في طريقنا".وهذا ما يتناقض مع المسار الذي تريده السعودية .وهذا الانكشاف لدول الخليج عبر عنه اصلا امين عام محلس التعاون الذي قال ان دول المجلس منكشفة سياسيا واقتصاديا وتتعرض لحملات استيطان غربية اميركية والمانية وبريطانية وغيرها, وهذا ليس امرا عفويا , بل يعود الى العام 1975 عندما قدمت اسرائيل ورقة الى الكونغرس الاميركي لاحتلال شريط النفط في دول الخليج . والان العلاقات المباشرة مع اسرائيل لعدد من الدول ما يفتح الباب امام السيطرة الاسرائيلية على تلك الثروات وتحويل زعماء الخليج , وبرضاهم التام الى مجرد بيادق على رقعة اللعب ,ولكن كل بمفرده , مع احتدام صراع الاخوة على نيل الرضا الاميركي - الاسرائيلي.
من هنا اعتبر وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير ان التصريحات التهديدية للرياض الصادرة عن جو بايدن إنها مواقف مرشح للانتخابات وليست بالضرورة مواقف الرئيس, وقال  أن "الرؤساء عادة ما يقولون أشياء خلال حملاتهم الانتخابية تجبرهم الواقعية السياسية وتعقيدات المصالح على تعديلها والتصرف بشكل مغاير لاحقا عندما يتولون الرئاسة". وتابع الجبير أن الرياض لا تتعاطى إلا مع التصريحات التي تصدر عن الرئيس بعد توليه الرئاسة وليس كمرشح للانتخابات،و"لا أتوقع أنه سيكون هناك تغير كبير فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لأميركا".وأعرب وزير الخارجية فيصل بن فرحان عن ثقته في أن الإدارة الأميركية الجديدة ستواصل نفس السياسات التي تصب في مصلحة "الاستقرار الإقليمي"، مؤكدا أنه "لا يرى أي تهديد للأمن الإقليمي خلال فترة انتقال السلطة في الولايات المتحدة".
ليس التخفيف الكلامي من الصدمة لخسارة ترامب , يمكن ان يغيير الوقائع على الارض , او يحيل الازمة الى الحل سيما ان الخزائن السعودية تكاد تنضب , وان بايدن وعد بجردة حساب مع النظام السعودي , الذي يواصل اللجؤ الى عمليات تقشف ,واجراءات مالية غير مسبوقة وليس هذا التحرك سوى البداية، وذلك أن الحكومة قد تلجأ إلى الحل النهائي المتمثل بتقليص عدد العاملين في القطاع الحكومي، وخفض رواتب العاملين الحاليين في أجهزة الدولة، وإلا فسينتهي بها المطاف إلى العجز عن دفع رواتبهم.  ولكن ماذا عن المليارات التي تنفق على العائلة السعودية الملكية وعلى المشاريع الكبرى وعلى السلاح؟ وهذا الامر سيكون الرد عليه من اهل البلد الذين يضيق الخناق المعيشي على رقابهم , بينما الحبل السياسي يلتف على عنق النظام الذي حفر حفرا لاخوانه جميعا , وباتت رجله على فوهة الحفرة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل