مسؤول يضحك ومواطن يبكي ـ عدنان الساحلي

الجمعة 27 تشرين الثاني , 2020 11:00 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يرفع معظم اللبنانيين أصواتهم في وجه الفساد الذي دمر إقتصادهم ونهب مالهم العام والخاص. ويطالبون بمحاسبة الفاسدين ورد المال المنهوب؛ وإنقاذهم من هذه المعاناة التي سببها لهم حكامهم. ولا يختلف إثنان على أن النظام الطائفي القائم والرابض على صدور اللبنانيين، منذ أن أنشاته سلطات الإنتداب الفرنسي، التي احتلت لبنان بين العام 1920 و1943، هو سبب الكثير من مآسي اللبنانيين؛ وهو تحديدا وكما أثبتت مائة عام هي عمر الدولة اللبنانية، منتج الفساد وحاميه والمتعيش على أزماته. وهو يحمي القائمين على الفساد ويزيد من أعدادهم ويوسع نفوذهم، طالما أنه نظام قائم على المحاصصة الطائفية والمنازعة الإستحواذية، التي تتعزز بوجود الشريك-الخصم في مواقع السلطة والإدارة والقرار.
وإذا كانت قوى الفساد تمسك بزمام الحكم منذ عهد الإستقلال الأول، وهي عززت تسلطها وحجم سرقاتها بعد إتفاق الطائف، فان هذه القوى ذاتها، تعترف ولو بشكل مخادع، بفشل النظام الطائفي في بناء وطن حقيقي. كما تقرً بضرورة الإنتقال من النظام الطائفي إلى الدولة المدنية، دولة المواطنة والعدالة والمساواة، خصوصاً أن هذا النظام القائم على تحالف زعماء ومرجعيات الطوائف مع أصحاب المصارف وكبار الأغنياء، أدخل لبنان في حروب وصدامات دموية داخلية أكثر من مرة، فشرط بقاء واستمرار حكم زعماء الطوائف، هو ببقاء الخلافات والصراعات على أشدها بين اللبنانيين، لذلك يشهد لبنان حرباً أهلية أو مشكلة طائفية ولو جرى تغليفها بالسياسة، كل 10 أو 15 عاماً. ولعل تجار الحروب يتحسسون من وجود سلاح المقاومة، الذي بات عنصر ردع يمنع إشعال حروب داخلية يشعلها زعماء الطوائف. هي حروب يرتاح لها العدو "الإسرائيلي" ويحقق من ورائها الكثير من غاياته. كما تحقق منها القوى الخارجية الداعمة لزعامات الداخل أغراضها، فيما اللبناني يهاجر هرباً من هذا الواقع إلى مشارق الأرض ومغاربها، بحثاً عن حياة آمنة وعيشة هادئة.
آخر أساليب الضحك على عقول اللبنانيين هو ما نراه هذه الأيام من رفع شعارات جذابة تقول بمحاربة الفساد، تقابلها دعوات لإقرار قانون إنتخاب غير طائفي. فكيف تعمل على محاربة الفساد، في وقت ترفض فيه هدم حصن الفاسدين. وهل يمكن لك أن تحاسب الفاسدين من كبار السياسيين والمتزعمين، في حال تم إقرار ما ما يسمى "التدقيق الجنائي" لرصد حركة أموال اللبنانيين، في مصرف الدولة المسمى مصرف لبنان. ذلك التدقيق الذي يطالب البعض بتوسيعه ليشمل حسابات كل وزارات ومؤسسات الدولة. فالذي لا يستطيع أن يحاسب موظفاً كبيراً مثل حاكم مصرف لبنان، المدان والمخطىء والمرتكب بكل الحسابات، لا يستطيع أن يحاسب من هو أكبر منه. وإذا كانت المرجعية الدينية لرياض سلامة، رسمت حوله خطاً أحمر لحمايته من المحاسبة والملاحقة، مثلما فعلت مرجعية فؤاد السنيورة المتهم بصرف أحد عشر مليار دولار في غير مواضعها، فمن يستطيع ملاحقة ومحاسبة المرجعيات السياسية لسلامة والسنيورة وغيرها من مرجعيات مماثلة؟
ووجه الغرابة الفاقع، أن من يدعي العمل على ملاحقة الفاسدين، يرفض المس بالحصن الذي يحميهم وهو النظام الطائفي. ففي ظل بقاء النظام الطائفي لا يمكن ملاحقة أو محاسبة أي زعيم سياسي أو وزير تابع له، لأن مرجعيات الطوائف في تنازعها على غنائم الحكم، تقوم بحماية الفاسدين من أبنائها وتستقوي بهم لأنهم زعران وأقوياء، في وجه الطوائف الأخرى. فيكون الحل بالتضحية بفاسدين صغار، في مسرحية يضحك فيها المسؤول المرتكب ويبكي المواطن حزناً على وطن لا يستطيع شعبه أن يعيش فيه تحت حكم القانون، في ظل أعراف ونفوذ زعماء الطوائف وحلفائهم من أصحاب المصارف وكبار المتمولين.
بيت القصيد، هو تمترس جهات سياسية ممثلة لمكونات طائفية، خلف الدعوة لمحاربة الفساد، تقابلها جهات أخرى، تصطف خلف الدعوة لتطوير قانون الإنتخاب، نحو قانون عصري يعتمد لبنان دائرة واحدة، من دون القيد الطائفي، لكن يتم وضع الطرحين في مواجهة بعضهما البعض، بما يجعلهما متناقضين، ليتم التخلي عنهما، كما جرت العادة في هذا النظام منذ تكوينه، أو يتم تفريغهما من مضامينهما إذا كان لا بد من إقرار أحدهما أو الأخذ بالإثنين معاً. فقد ولد النظام اللبناني بتخلي البعض عن التمسك بالإنتداب الفرنسي، مقابل تخلي البعض ألاخر عن الإرتباط بسورية. فهل المطلوب الأن التخلي عن تطوير قانون الإنتخاب، ليتم التخلي بالمقابل عن ملاحقة الفساد ومحاسبة الفاسدين؟ خصوصاً أمام صعوبة إقرار قانون الإنتخاب المقترح، الذي توحد التيار الوطني الحر مع حزب القوات في رفضه، في ظل التجييش الطائفي والمزايدة القائمة بينهما، تحت حجة الغاء ما في النفوس قبل تطبيق ما في النصوص. ومتى وكيف يتم ذلك، هل يتم نزع النفوس الطائفية المتعصبة بعملية جراحية أو بدواء تصنعه معامل مقاومة الفيروسات. وما لم يقبل تطبيقه من نصوص خلال ثلاثين سنة مرت على اقرارها في اتفاق الطائف، لا يبدو أن من الممكن تطبيقه هذه الأيام، فرفضه نابع من تمسك بالطائفية من قبل الذين يستفيدون منها ولو ادعوا عكس ذلك. والأيام المقبلة، ستكشف حقيقة من يريد بناء وطن ومن الذي يريد إبقاءه مزرعة يتحارب اللبنانيون على حصصهم في ريعها المشرف على النضوب. أو يقسمونها إقطاعات يحتمي فيها زعران الطوائف، مثلما تكشف دعوات الفدرلة المنطلقة هذه الأيام.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل