السيرة النبوية .. كيف بدأت ثم تطورت كتابة السيرة؟

الثلاثاء 19 كانون الثاني , 2021 01:57 توقيت بيروت التاريخ الإسلامي

الثبات - التاريخ الإسلامي

 

السيرة النبوية

كيف بدأت ثم تطورت كتابة السيرة؟

 

تأتي كتابة السيرة النبوية- من حيث الترتيب الزمني- في الدرجة الثانية بالنسبة لكتابة السنة النبوية، فلا جرم أن كتابة السنة، أي الحديث النبوي، كانت أسبق من كتابة السيرة النبوية عموماً، إذ السُّنَّة بدأت كتابتها، كما هو معلوم، في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، بإذن، بل بأمر منه عليه الصلاة والسلام. وذلك بعد أن اطمأن إلى أن أصحابه قد تنبهوا للفارق الكبير بين أسلوبي القرآن المعجز والحديث النبوي البليغ، فلن يقعوا في لبس بينهما.

أما كتابة حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومغازيه بصورة عامة، فقد جاء ذلك متأخراً عن البدء بكتابة السُّنَّة، وإن كان الصحابة يهتمون بنقل سيرته ومغازيه شفاها.. ولعل أول من اهتم بكتابة السيرة النبوية عموماً، هو عروة بن الزبير المتوفى 92 هـ ثم أبان بن عثمان المتوفى 105 هـ ثم وهب بن منبه المتوفى 110 هـ ثم شرحبيل بن سعد المتوفى 123 هـ ثم ابن شهاب الزهري المتوفى 124 هـ.

إن هؤلاء يعدون، ولا ريب، في مقدمة من اهتموا بكتابة السيرة النبوية، كما تعد كتاباتهم طليعة هذا العمل العلمي العظيم، بل تعد الخطوة الأولى- كما ألمحنا- إلى كتابة التاريخ والاهتمام به عموماً، هذا بقطع النظر عن أن الكثير من أحداث السيرة منثور في كتاب الله تعالى، وفي بطون كتب السنة التي تهتم من سيرته صلّى الله عليه وسلم بأقواله وأفعاله، لا سيما ما يتعلق منها بالتشريع، غير أن جميع ما كتبه هؤلاء قد باد وتلف مع الزمن، فلم يصل إلينا منه شيء، ولم يبق منه إلا بقايا متناثرة، روى بعضها الطبري، ويقال إن بعضها الآخر- وهو جزء مما كتبه وهب بن منبه- محفوظ في مدينة هايدلبرج بألمانيا.

ولكن جاء في الطبقة التي تلي هؤلاء من تلقف كل ما كتبوه، فأثبتوا جلّه في مدوناتهم التي وصل إلينا معظمها بحمد الله وتوفيقه، ولقد كان في مقدمة هذه الطبقة محمد بن إسحاق المتوفى عام 152 هـ، وقد اتفق الباحثون على أن ما كتبه محمد بن إسحاق يعدّ من أوثق ما كتب في السيرة النبوية في ذلك العهد، ولئن لم يصل إلينا كتابه (المغازي) بذاته، إلا أن أبا محمد عبد الملك المعروف بابن هشام قد جاء من بعده، فروى لنا كتابه هذا مهذباً منقحاً، ولم يكن قد مضى على تأليف ابن إسحاق له أكثر من خمسين سنة، يقول ابن خلكان: «وابن هشام هذا، هو الذي جمع سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، من المغازي والسير لابن إسحاق، وهذبها، ولخصها، وهي السيرة الموجودة بأيدي الناس والمعروفة بسيرة ابن هشام».

وعلى كل، فإن مصادر السيرة النبوية التي اعتمدها سائر الكتاب على اختلاف طبقاتهم محصورة في المصادر التالية:

أولاً- كتاب الله تعالى: فهو المعتمد الأول في معرفة الملامح العامة لحياة النبي صلّى الله عليه وسلم، وفي الاطلاع على المراحل الإجمالية لسيرته الشريفة، بقطع النظر عن أسلوب القرآن في بيان ذلك.

ثانياً- كتب السنة النبوية: وهي تلك التي كتبها أئمة الحديث المعروفون بصدقهم وأمانتهم، كالكتب الستة وموطأ الإمام مالك ومسند الإمام أحمد وغيره، وإن كانت عناية هذه الكتب الأولى إنما تنصرف إلى أقوال رسول الله وأفعاله من حيث إنها مصدر تشريع، لا من حيث هي تاريخ يدوّن. ولذلك رتبت أحاديث كثير من هذه الكتب على الأبواب الفقهية، ورتب بعضها على أسماء الصحابة الذين رووا هذه الأحاديث، ولم يراع فيها التتابع الزمني للأحداث.

ثالثاً- الرواة الذين اهتموا بسيرة النبي صلّى الله عليه وسلم وحياته عموماً: وقد كان في الصحابة الكثير ممن اهتم بذلك، بل ما من صحابي كان مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم في مشهد من مشاهد سيرته إلا ورواه لسائر الصحابة ولمن بعده أكثر من مرة، ولكن دون أن يهتم واحد منهم في بادئ الأمر بجمع هذه السيرة وتدوينها. وأحب أن ألفت النظر هنا إلى الفرق بين عموم ما يسمى كتابةً وتقييداً، وخصوص ما يسمى تأليفاً أو تدويناً، أما الأول فقد كان موجوداً بالنسبة للسُّنَّة في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم كما ذكرنا آنفا، وأما الثاني، ويراد به الجمع والتنسيق بين دفتين، فقد ظهر فيما بعد، عندما ظهرت الحاجة إلى ذلك.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل