القرآن بين السنة والشيعة .. هل يوجد قائل بتحريف القرآن الكريم من المسلمين؟

الإثنين 30 آذار , 2020 12:26 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات ,الوحدة والتقريب

الثبات - الوحدة الإسلاميّة

 

القرآن بين السنة والشيعة

هل يوجد قائل بتحريف القرآن الكريم من المسلمين؟

 

القرآنُ الكريمُ هو كتابُ اللهِ المُعجِز عند المسلمين، يُعَظِّمُونه ويؤمنون بأنّه كلامُ اللهِ تعالى وبأنَّه قد أُنزل على محمد بن عبد الله للبيان والإعجاز، وبأنَّه محفوظ في الصدور والسطور من كلِّ مسٍّ أو تحريف وبأنَّه منقولٌ بالتواتر، وبأنَّه المتعبد بتلاوته، وبأنَّه آخر الكتب السماوية بعد صحف إبراهيم والزبور والتوراة والإنجيل.

فالقرآنُ الكريمُ هو الكتاب الخالد لهذه الأمة، ودستورها الشامل، وحاديها الهادي، وقائدها الأمين، كما أنَّه الكتاب الخالد للدعوة الإسلامية، ودليلها في الحركة في كل حين، وله أهمية كبيرة في حياة الفرد والأسرة والمجتمع والأمة؛ فهو يعالج بناء هذا الإنسان نفسه، بناء شخصيته وضميره وعقله وتفكيره، ويشرع من التشريعات ما يحفظ كيان الأسرة تظللها السكينة وتحفها المودة والرحمة، كما يعالج بناء المجتمع الإنساني الذي يسمح لهذا الإنسان بأن يحسن استخدام الطاقات الكامنة في المجتمع، وينشد الأمة القوية المتماسكة الشاهدة على العالمين.   

يرى المسلمون أنَّ الإنسان المسلم لا يستغني عن القرآن؛ فبه حياة قلبه ونور بصره وهداية طريقه. وكلُّ شيءٍ في حياة المسلم مرتبط بهذا الكتاب، فمنه يستمد عقيدته، وبه يعرف عبادته وما يُرضي ربه، وفيه ما يحتاج إليه من التوجيهات والإرشادات في الأخلاق والمعاملات، وأنَّ الذي لا يهتدي بهذا الكتاب يضيع عمره ومستقبله ومصيره، ويسير في ظلمات الجهل والضلالة والضياع، وذلك بناءً على ما جاء في عدد من السور والأحاديث النبوية، كما في سورة الإسراء: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيراً}.

لذلك كلِّه فالقرآن الكريم هو الركن الأول والركيزة الأهم في وحدة المسلمين كافة ورصِّ صفوفهم وجمع كلمتهم في وجه التحديات.

 الوحدة الإسلامية التي هي المطلب الأول لكلِّ ذي لبٍّ من أهلٍ الإسلام، وهي مطلب ديني على كل مسلم وحقٌ يتوجب السعي أقصى درجات الجهد من أئمة الفِرق والمذاهب.

والوحدة الحقيقية التي تكون مبنية على منهج علمي صحيح تُحَرَرُ فيه مسائل الاختلاف وتُبرَزُ فيه وجوه الاتفاق، كي تجتمع الأمة على ما اتفقت عليه وتوجه جهودها فيما يَهمُّ الأمة من قضايا كبرى، ويعذر المسلمون بعضهم البعض فيما اختلفوا فيه من أمور لا تمسُّ أصول دينهم.

إنَّ التعرض لموضوع الوحدة بأسلوب علمي يسدُّ الباب أمام المتشددين الذين يَزعمون أنَّ من يحرص على  الوحدة الإسلامية هو داعٍ لتمييع الدين ونقضِ أساساته.

وفي ضَوء حديثنا عن القرآن الكريم نتعرض لعدة مسائل بنى عليها كثيرٌ من أهلِّ التشدد تكفيرهم لبعض المسلمين، ومهمتنا هنا عرض الأقوال للوصول للحق في هذا المسائل، والقضية الأولى في هذه السلسلة في الحديث عن "القرآن الكريم بين السنة والشيعة"، وسنعرض هذه القضية من خلال ثلاثة مقالات متتابعة:

-المقال الأول: هل يوجد قائل بتحريف القرآن الكريم من المسلمين (السنة والشيعة)؟

-المقال الثاني: ما هو مصحف فاطمة عليها السلام عند الشيعة وما موقف أهل السنة منه؟

-المقال الثالث: ما حكم من يقول بتحريف شيء من القرآن الكريم عند المسلمين (السنة والشيعة)؟

وهذا المقال الأول

هل يوجد قائل بتحريف القرآن الكريم من المسلمين (السنة والشيعة)؟

 

يتفق أهل السنة جميعاً على اختلاف مدارسهم أنَّ القرآن الكريم نقل إلينا متواتراً كما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من نقص أو تحريف.

والأمر عند أهلِ السُّنة مشهورٌ شهرةً تُغني عن الإطالة في نقل كلام أئمة أهل السنة.

لكن السؤال الذي يكثر طرحه وربما تُكَفر الشيعة من أجله:

هل أئمة وأتباع المذهب الشيعي يقولون بتحريف القرآن؟

 وبناءً عليه سيتبين معنا وتظهر مصداقية القائلين بأنَّهم ليسوا من الأمة الإسلامية؟

وللإجابة على هذا السؤال سنعرض أقوال أهم مراجع الشيعة وعلمائهم:

 قال صاحب مجمع البيان المتوفى (548) وهو من الكتب المعتمدة بين السنة والشيعة (ج1، ص15): "الكلام في زيادة القرآن ونقصانه فإنَّه لا يليق بالتفسير، فأمَّا الزيادة فمجمع على بطلانه وأمَّا النُقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من الحشويَّة أنَّ في القرآن تغييراً أو نقصاناً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى قدَّس الله روحه، واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات".

وقال الشيخ كاشف الغطاء المتوفى(1373) هجري في أصل الشيعة وأصولها (ص 220): "وإنَّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدي، ولتعليم الأحكام، وتمييز الحلال من الحرام، وأنَّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة، وعلى هذا إجماعهم، ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ يرده نص الكتاب العظيم {إنَّا نحن نزلنا الذكر وإنَّا له لحافظون}، والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذة، وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً، فإمَّا أن تأول بنحو من الاعتبار، أو يضرب بها الجدار".

وقال السيد شرف الدين الموسوي المتوفى (1377) هجرية في الفصول المهمة في تأليف الأمة: "وكل من نسب إليهم تحريف القرآن فإنَّه مفترٍ عليهم ظالم لهم، لأنَّ قداسة القرآن الحكيم من ضروريات دينهم الإسلامي ومذهبهم الإمامي، ومن شكَّ فيها من المسلمين فهو مرتد بإجماع الإمامية، فإذا ثبت عليه ذلك قُتِلَ ثم لا يُغسل ولا يُكفن ولا يُصلى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين. وظواهر القرآن فضلاً عن نصوصه من أبلغ حجج الله تعالى وأقوى أدلة أهل الحق بحكم البداهة الأولية من مذهب الإمامية، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الأحاديث المخالفة للقرآن عرض الجدار ولا يأبهون بها وإن كانت صحيحة، وتلك كتبهم في الحديث والفقه والأصول صريحة بما نقول، والقرآن الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إنَّما هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس لا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف، وكلُّ حرفٍ من حروفه متواتر في كلِّ جيل تواتراً قطعياً إلى عهد الوحي والنبوة، وكان مجموعاً على ذلك العهد الأقدس مؤلفاً على ما هو عليه الآن، وكان جبرائيل عليه السلام يعارض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن في كل عام مرة وقد عارضه به عام وفاته مرتين، والصحابة كانوا يعرضونه ويتلونه على النبي حتى ختموه عليه صلى الله عليه وآله وسلم مراراً عديدة، وهذا كله من الأمور المعلومة الضرورية لدى المحققين من علماء الإمامية، ولا عبرة بالحشوية فإنَّهم لا يفقهون".

وقال السيد الخوئي المتوفى (1411) هجري في البيان في تفسير القرآن (ص 259 – 261): "ومما ذكرناه: قد تبين للقارئ أنَّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال، لا يقول به إلا من ضعف عقله، أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل، أو من ألجأه إليه حب القول به، والحب يعمي ويصم وأمَّا العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته".

فتكفي هذه النصوص لبيان إجماع الأمة ومن بينهم الشيعة على أنَّ القرآن محفوظ لم يحرف.

وأخيراً: لا ينكر وجود بعض من يدعي التحريف أو النقص، لكن هل تسلم فرقة من فرق الإسلام من أشخاص من بينهم تشددوا بأقوال لم يقل بها عامتهم، فلماذا نريد أن نوجه الأنظار على القلة ونترك الأكثر، هل من دافع لذلك غير الفتنة ودفع المسلمين للفرقة والضعف وخدمة أعداء الأمة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل