أعلام التصوف .. "الإمام  يحيى بن شرف النووي"

الإثنين 28 أيلول , 2020 02:35 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - التصوف

 

أعلام التصوف

الإمام  يحيى بن شرف النووي

 

 أبو زكريا يحيى بن شرف النووي كان محرراً للمذهب الشافعي ومنقحه، ولد في العشر الأول من المحرم سنة 631 (بنوى) قرية من الشام من أعمال دمشق ونشأ بها وقرأ القرآن، ذكر والده أنَّ الشيخ كان نائماً إلى جنبه، وقد بلغ من العمر سبع سنين ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، قال: فانتبه نحو نصف الليل وأيقظني وقال: يا أبتي، ما هذا الضوء الذي قد ملأ الدار؟ فاستيقظ أهله جميعاً فلم نر كلنا شيئاً، قال والده: فعرفت أنَّها ليلة القدر.

طلبه للعلم

قال والده: ولما توجهنا للرحيل من نوى إلى الحج أخذته الحمى إلى يوم عرفة قال: ولم يتأوه قط فلما عدنا إلى نوى ونزل هو إلى دمشق صب الله عليه العلم صباً فلم يزل يشتغل بالعلم ويقتفي آثار شيخه أبي إبراهيم إسحاق في العبادة من صلاة وصيام الدهر والزهد والورع.

قدم دمشق وقرأ التنبيه في 4 أشهر وحفظ ربع المهذب في بقية السنة ومكث قريباً من السنتين لا يضع جنبه على الأرض، جد في طلب العلم حتى فاق على أقرانه وأهل زمانه وكان على جانب كثير من العمل والصبر على خشونة العيش وكان لا يدخل الحمام، رجل من أصحابه قشر له خيارة ليطعمه إياها، فأمتنع عن أكلها، وقال: أخشى أن يرطب جسمي، ويجلب النوم.

أخلاقه وصفاته

كان أمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر يواجه الملوك وحج مرتين وولي دار الحديث الأشرفية بعد موت أبي شامة سنة خمس وستين وإلى أن مات ولم يأخذ من معلومها شيئاً، وكان ذا وقار في البحث مع العلماء وكان صغير العمامة عظيم الشأن.

كان إماماً بارعاً حافظاً مفتياً أتقن علوماً شتى، وصنف التصانيف الجمة، وكان شديد الورع والزهد، ترك جميع ملاذ الدنيا من المأكول إلا ما يأتيه به أبوه من كعك يابس وتين حوراني، والملبس إلى الثياب الرثة المرقعة، ولم يدخل الحمام، وترك الفواكه جميعهاً. وكان أماراً بالمعروف ناهياً عن المنكر على الأمراء والملوك والناس عامة.

وكان رضي الله عنه لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة واحدة بعد العشاء الآخرة، ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السحر، وكان لا يشرب الماء المبرد وكان لا يأكل فاكهة دمشق فسألته عن ذلك فقال: دمشق كثيرة الأوقاف، وأملاك من هو تحت الحجر شرعاً والتصرف لهم لا يجوز لأوجه الغبطة والمصلحة والمعاملة فيها على وجه المساقاة، وفيه اختلاف بين العلماء: فمن جوزها قال: جوزها بشرط المصلحة والغبطة لليتيم والمحجور عليه، والناس لا يفعلونها إلا على جزء من ألف جزء من الثمرة للمالك، فكيف تطيب نفسي بأكل ذلك.

علاقته بالملوك

لما توسد الملك الظاهر أمانيه وجذم نفسه من الظلم بما كاد يأتي قواعده من مبانيه وكتب له من الفقهاء من كتب وحمله سوء رأيه على بيع آخرته بشيء من الذهب ولم يبق سواه فلما حضر هابه وألقى إليه الفتيا فألقاها وقال له لقد أفتوك بالباطل ليس لك أخذ معونة حتى تنفذ أموال بيت المال وتعيد أنت ونساؤك ومماليكك وأمراؤك ما أخذتم زائداً عن حقكم وتردوا فواضل بيت المال إليه وأغلظ له في القول فلما خرج قال اقطعوا وظائف هذا الفقيه ورواتبه فقيل له إنه لا وظيفة له ولا راتب قال فمن أين يأكل قالوا مما يبعث إليه أبوه فقال والله لقد هممت بقتله فرأيت كان أسداً فاتحاً فاه بيني وبينه لو عرضت له لالتقمني، وحكي عن الملك الظاهر أنه قال: أنا أفزع منه.

تدريسه للعلم

قال النووي: كنت أقرأ كل يوم اثني عشر درساً على المشايخ شرحاً وتصحيحاً درسين في الوسيط ودرساً في المهذب ودرساً في الجمع بين الصحيحين ودرساً في صحيح السكيت في اللغة ودرساً في التصريف ودرساً في أصول الفقه ودرساً في أسماء الرجال ودرساً في أصول الدين قال وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل وإيضاح عبارة وضبط لغة قال وبارك الله لي في وقتي واشتغالي وأعانني عليه.

ومن مسموعاته الكتب الستة والموطأ ومسانيد الشافعي وأحمد والدارمي وأبي عوانة وأبي يعلى وسنن الدارقطني والبيهقي وشرح السنة للبغوي وتفسيره والأنساب للزبيري والخطب النباتية ورسالة القشيري وعمل اليوم والليلة لابن السني وأدب السامع والراوي للخطيب وغير ذلك.

الشيخ السبكي سكن دار الحديث الأشرفية وكان يخرج في الليل يتهجد ويمرع خديه على الأرض فوق البساط الذي يقال إنه من زمن الواقف ويقال إن النووي كان يدرس عليه وينشد:

وفي دار الحديث لطيف معنى... على بسط لها أصبو وآوي

عسى أن أمس بحر وجهي... مكاناً مسه قدم النواوي

من مؤلفاته:

من كتبه "تهذيب الأسماء واللغات" و"منهاج الطالبين و"المنهاج في شرح صحيح مسلم" و"التقريب والتيسير" في مصطلح الحديث، و"الأذكار النووية،" و"رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين" و"بستان العارفين" و"الإيضاح" في المناسك، و"شرح المهذب للشيرازي" و"روضة الطالبين"، و"التبيان في آداب حملة القرآن و"الأربعون حديثاً النووية".

 

وفاته رضي الله عنه

قبل وفاته خرج إلى القبور الذي دفن بها بعض مشايخه فزارهم، وقرأ شيئاً، ودعا وبكى ثم زار أصحابه الأحياء كالشيخ يوسف القفاعي والشيخ محمد الأخميمي والشيخ شمس الدين ابن أبي عمر شيخ الحنابلة. ثم سافر صبيحة ذلك اليوم، فسار إلى نوى، وزار القدس والخليل عليه السلام ثم عاد إلى نوى، ومرض عقب زيارته بها في بيت والده، وتوفي رحمه الله ليلة الأربعاء 14 رجب سنة 676 ودفن ببلده وقبره يزار هناك.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل