خصائص المؤمنين ووجوب تقويم رغباتهم ومقاصدهم .. العلامة الحبيب عمر ابن حفيظ

الإثنين 30 تشرين الثاني , 2020 04:24 توقيت بيروت مقالات فكريّة

الثبات - مقالات 

 

خصائص المؤمنين ووجوب تقويم رغباتهم ومقاصدهم

العلامة الحبيب عمر ابن حفيظ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أكرَمَنا الله تعالى بالخلقِ والإيجاد، وواصلَ إرسالَ مَن اختارهم مِن عبادِه رسلاً إلينا حتى ختَمهم بخيرِ العباد، محمدٍ أجودِ الأجواد، وبلَّغَنا عنِ الله، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمة وكشفَ الغمَّة وجاهدَ في الله حقَّ جهادِه حتى أتاه اليقين، وتركَنا على محجَّةٍ بيضاءَ ليلُها كنهارِها، نأخذُ مِن ثمارِها امتداداتٍ لاجتماعات، وحصولٍ لعجائبِ صِلات واتصالاتٍ، وروابطَ وعلائقَ معنويات، للقلوبِ والأرواح والأسرار بالحقِّ ورُسلِه وملائكتِه، وشأن المستقبلِ الأعظمِ الأخطر، شأن مستقبلِ البرزخِ ومستقبلَ القيامة، بل مستقبل الخُلد والأبد، إما في الجنة وإما في النار، حقائق لن يجدَ أحدٌ مِن جميعِ المكلفين غيرَها آمَنَ أو كَفَر، أقبلَ أو أدبرَ، صدَّق أو كذَّب، أنابَ أو أدبَر، لن يصادفَ ولن يجدَ ولن يصلَ إلَّا إلى هذا، وإلا إلى برزخٍ ويومٍ موعود. قال الجبار جل جلاله : {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا}، وقال تعالى: {وعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا}.

وإذا هذه المزاعمُ يظهرُ كذبُها، وتظهرُ خيبةُ أهلِها، ويظهرُ أن لا أساسَ لها، كان بعضُ مَن يَنتحِلُها ويدَّعيها في الدنيا يسمَّون علميُّون وعلمانيون وحداثيُّون ومتقدِّمون ومتطوِّرون ومتحرِّرون، فتصبحُ مزاعمَ لا حقيقةَ لها ولا حقَّ فيها ولا أصلَ لها: {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا}، فيا خيبةَ مَن لم يقصِد وجهَه ومَن لم يُرد وجهَه، ومَن لم يُخلِص لوجهِه الكريم، كائناً مَن كان {والعَصْر إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.

{آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فقصدوا وجهَه ونفَّذوا أمرَه.

{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} مُستمسكينَ بوحيِه وإرسالِه وأنبائِه التي بعثَ بها النبيِّين.

{وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} ثبَتوا على ما أحبَّ منهم حتى يقطعوا تلك المراحلَ والعقباتِ التي تَعترضُهم فلقُوا ربَّهم، فهم الناجُون ومَن سِواهم خاسِر، فهم الناجُون ومَن سِواهم هالك.

يجب أن تتحوَّلَ الرغباتُ مِنِ استغراقِ العمرِ بهذه الشؤون التي يستوي فيها البَرُّ والفاجرُ، ويُرادُ بها عمارةُ البيوت على مختلفِ التصوُّرات عند الناس في عمارةِ الديار والمنازل، يجب بِحُكمِ الإيمانِ أن تتحوَّل هذه الرغباتُ والصدقُ في الطلبِ إلى أن تتزيَّنَ منا الذواتُ والمنازلُ والمجتمعاتُ بسُنَّةِ خيرِ البريات، بمنهاجِ ربِّ الأرضِ والسماوات، فهي حقائقُ زينتِنا، وهي موجبةُ كرامتِنا، وهي الموصلةُ إلى السعادة، في الغيبِ والشهادة، في الدنيا والآخرة، فإنها توجيهاتُ ربِّ الدنيا والآخرة، وإن لم يحصل منك هذا التوجُّه الصادق فمتى يصحُّ لك الإيمان؟ متى تُصحِّح حقيقةَ دينِك؟ متى تُصحِّح حقيقةَ توحيدك؟ متى تُصحِّح حقيقةَ شهادتِك أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله؟

متى تصحِّح حقائق توحيدك؟ متى تصحِّح حقائق إيمانك؟ متى تكون الرغبة أن تتزيَّن البيوت بالقرآن؟ بالسنة.. بالاستغفار في السحر.. بالخُلق النبويِّ الكريم.. بالهَديِ المصطفويِّ العظيم، ولكن ركيزة ذلك صلاحُ القلب فيما يحبُّ ومَن يحب، فإنه أقوى ما يتَّصل بحقائقِ الإيمانِ والشهادة.

لا تُترجم حقائق الإيمان بالله إلا بأسرار المحبّة، وعلى مقدارِ الإيمانِ تكون، وعلى حسبِ ما يتحقَّقُ في القلب مِن وعيٍ عن الله، وإدراكٍ لحقيقةِ وجودِه، وأن لا موجودَ سواه إلا بإيجادِه، ولا ممدودَ سواه بِحِسٍّ أو معنى، أو ظاهر أو باطن أو جسد أو روح أو مال أو حال أو سلطة أو غيره إلا مِن إمدادِه؛ {كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}{انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا}.

فيا مؤمناً بالآخرة: الآخرةُ أكبرُ درجاتٍ وأكبرُ تفضيلاً، فاسعَ وارغَب واصدُق في أن تحوزَ الأفضلَ والأرفعَ والأشرفَ والأعلى، ويا معشرَ مَن لم يؤمن، هل لكم أن تقفُوا لحظات؟ .. لحظات تُنصِفون فيها لأنفسِكم مِن أنفسِكم، يوجد زينةٌ غير ما عرفتُم، شأنُها وسيعٌ وعظيمٌ وكبير، تتعلَّق بما فقدتُم مِن طمأنينةِ النفوسِ المتوفرةِ في كثيرٍ مِن فقراءِ ومرضَى المسلمين بقدرٍ كبير، أنتم محرومون منها حتى أصحاب المُلكِ منكم وأصحاب الثروة وأصحاب الحظِّ المالي الكبير، زينةٌ تتَّصل بزينةِ الحياةِ الأخرى التي ينبغي لعقولِكم أن تقفَ عند أنَّ مَن أوجدَ الحياةَ الأُولى غيرُ عاجزٍ عن أن يوجِدَ حياةً أخرى، وكلُّ ما في الحياةِ الأولى شواهدُ قدرتِه على أن يحييَ ثانياً وثالثاً، فهل تُنصفوا من أنفسِكم وتُلقَوا السمع؟

{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}.

 

جزء مختصر من محاضرة:

العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك، بدار المصطفى ليلة الجمعة 8 صفر الخير 1442هـ.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل