التقرب إلى الله | العبادة حق لله تعالى على عباده - العلامة المحدث عبدالله سراج الدين

الخميس 17 كانون الأول , 2020 01:09 توقيت بيروت مقالات فكريّة

الثبات – مقالات

 

التقرب إلى الله

العبادة حق لله تعالى على عباده

العلامة المحدث عبدالله سراج الدين

 

قال الله تعالى:

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}.

فقد خاطب الله تعالى النَّاس كلهم، وطالبهم بحق له عليهم يعترفون به، ويقرون به، لا يسعهم إنكاره فقال لهم: {ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} والمعنى: أنَّكم كلكم عبيد له، وهو وحده ربكم، فإن أنكرتم ذلك فتعالوا فكروا:

من الذي خلقكم بعد إن كنتم عدماً؟ ومن الذي حَوَّلكم من طور العَدم إلى طور الوجود؟ فأنتم لم تخلقوا أنفسكم، وآباؤكم هم مثلكم، وجميع المخلوقات مثلكم، إذاً لا محالة أنَّ لكم خالقاً، وهو غير مخلوق، بل هو واجب الوجود، ألا وهو الله تعالى رب العالمين.

إذاً اعبدوا ربكم لأنَّه ربكم: {ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} عذابه، وعقابه، وعتابه، وغضبه، ثمَّ إنَّه سبحانه خلقكم لستم في غنىً عنه، بل أنتم لم تزالوا ولن تزالوا فقراء إليه، محتاجين إلى تربيته لكم، وإمداداته وتغذيته ورحمته قال سبحانه: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ} أي: فاعبدوه واشكروا له وأخلصوا له {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} وأنتم تعلمون أنَّ الأوثان التي تعبدونها، والآلهة التي اتخذتموها لا تنفعكم شيئاً ولا تضركم، بل هي عاجزة عن الدفاع عن نفسها قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}.

فالعبادة هي حق ذاتيٌ لله تعالى على عباده، باعتبار أنَّهم عباده، وهو وحده ربهم، روي عن النَّبي عليه الصلاة والسَّلام: "أنَّه رَكِبَ يومًا على حِمارٍ له يُقالُ له: يَعفورُ، رَسَنُه مِن ليفٍ، ثُمَّ قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اركَبْ يا مُعاذُ، فقُلتُ: سِرْ يا رسولَ اللهِ، فقال: اركَبْ، فرَدِفتُه، فصُرِعَ الحِمارُ بنا، فقام النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَضحَكُ، وقُمتُ أذكُرُ مِن نَفْسي أسَفًا، ثُمَّ فَعَلَ ذلك الثَّانيةَ، ثُمَّ الثَّالثةَ، فرَكِبَ وسار بنا الحِمارُ، فأخلَفَ يدَه فضَرَبَ ظَهري بسَوطٍ معه أو عَصًا، ثُمَّ قال: يا مُعاذُ، هل تدري ما حَقُّ اللهِ على العِبادِ؟ فقُلتُ: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: فإنَّ حَقَّ اللهِ على العِبادِ أنْ يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شيئًا، قال: ثُمَّ سار ما شاء اللهُ، ثُمَّ أخلَفَ يدَه فضَرَبَ ظَهري، فقال: يا مُعاذُ، يا ابنَ أُمِّ مُعاذٍ، هل تَدري ما حَقُّ العِبادِ على اللهِ إذا هم فَعَلوا ذلك؟ قُلتُ: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: فإنَّ حَقَّ العِبادِ على اللهِ إذا فَعَلوا ذلك أنْ يُدخِلَهم الجنَّةَ".

فالعبادة لله تعالى هي مقتضى العبدية، فشأن العبد أن يعبد ربه سبحانه وتعالى وبذلك قُربه وعزه وكرامته ويرحم الله القائل:

أدبُ العبدِ تذللٌ ... والعبدُ لا يدعُ الأدبْ

فإذا تكامل ذلُّه ... نالَ المودةَ واقتربْ

والقائل كذلك:

تذلَّل لمن تهوى لتكسب عزَّةً ... فكم عزَّةً نالها المرءُ بالذُّلِّ

إذا كان من تهوى عزيزاً ولم تكن ... ذليلاً لهُ فاقرأ السَّلام على الوصلِ


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل