الأردن وصراع الإخوة في ظلّ الأزمات ورسم الخرائط السّياسيّة

الإثنين 12 نيسان , 2021 01:05 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

لا يمكن اعتبار ما يجري في المملكة الأردنية الهاشمية من نزاع بين الأمراء أمراً جديداً، ولكنَّها المرة الأولى التي تصل إلى الحديث عن تخطيط لانقلاب ضد الملك. كانت المملكة قد شهدت عقب اغتيال الملك المؤسس عبد الله الأول في العام 1951 أياماً متوترة بين الأمراء، حسمتها الملكة زين مع البريطانيين من دون ضجة تُسمع. 

وفي العام 1999، قام الملك حسين قبل وفاته بأسابيع بتعديل ترتيب الخلافة، وعيّن نجله الأكبر عبد الله، ليحل محل شقيقه حسن، الذي كان ولياً للعهد منذ العام 1965. وعلى الرغم من الصدمة الشخصية العميقة، لم يحتجّ حسن على التحول، وعبّر دائماً عن دعمه العلني لابن أخيه كملك. وقد حدثت ديناميكية مماثلة بين الأمير عبد الله الثاني وأخيه غير الشقيق حمزة بعد 5 سنوات من وفاة والده.

الرجل الذي اشتهر بالتواضع والارتباط بالقبائل الأردنية، لم يعترض علناً على القرار في ذلك الوقت، إلا أن تغيّر الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المملكة إثر تحولات تعيشها المنطقة، انعكس على مجمل الحياة السياسية فيها، وطرح أسئلة كبرى على مقرري السياسة في الداخل الذي يعاني وضعاً اقتصادياً وأمنياً يغلي على صفيح ساخن.

هذا الوضع فتح الباب لإثارة النقد والتململ داخل البلاد، ما حمل الأمير حمزة على تقديم نفسه كشخصية متعاطفة مع الشعب، وكصورة رمزية للإصلاح بين الأردنيين المستائين من الوضعين الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، وخصوصاً العناصر القبلية الساخطة.

الانعكاسات الاقتصادية للحرب في سوريا على الأردن

لطالما اعتبرت سوريا السوق الأساسية بالنسبة إلى المواطنين الأردنيين قبل الحرب، نظراً إلى دعم السلع الذي كانت تؤمنه الحكومة السورية لمواطنيها وجيرانها المستفيدين من سياستها، وفي طليعتهم لبنان والأردن. 

أقفلت الطريق المفتوحة بين الأردن وسوريا بعد الحرب، وتوقفت تجارة الترانزيت عبر سوريا وصادرات الخدمات، مثل السياحة، وبلغ التأثير الهامشي للصدمة التجارية على الناتج المحلي الإجمالي -3.1 نقطة في الأردن، ولم تكن تأثيرات الناتج المحلي الإجمالي سوى حصة صغيرة نسبياً من التأثير الكلي.

لقد شكّل اللاجئون السوريون عبئاً كبيراً على الاقتصاد الأردني الضعيف. كانت الولايات المتحدة قد قدمت في العام 2011 ما يقارب 700 مليون دولار على شكل دعم إنساني للاجئين في الأردن، ثم وقّعت مذكرة تفاهم في شباط/فبراير 2015 لزيادة المساعدة السنوية الأساسية من 660 مليون دولار إلى مليار دولار سنوياً حتى العام 2017. 

كانت تكاليف استضافة اللاجئين تعادل 17.5% من ميزانية البلاد، وساهمت بشكل كبير في عجز الأردن البالغ ملياري دولار، وأصبحت بطالة الشباب 30%، وأدى تنافس اللاجئين على وظائف نادرة إلى زيادة التوتر الاجتماعي.

وعلى الرغم من تلقّي الأردن مليارات الدولارات من دعم الميزانية لمشاريع البنية التحتية، ومئات الملايين من الأمم المتحدة لدعم اللاجئين أو للمساعدة العسكرية والاقتصادية الأميركية، فإنَّ نفقات الأردن وتأمين الحدود تجاوزت ما تلقاه، وهو ما طرح أسئلة حول مسارب الهدر. 

وعلى الرغم من فعالية الجيش والاستخبارات في منع تسلّل الإرهابيين إلى الأردن ومراقبة الحدود، فإن بعض اللاجئين السوريين في الداخل كانوا من المتأثرين بإيديولوجية "داعش" والإسلاميين السلفيين الذين كانوا يتسربون من الحدود السعودية إلى "غرفة الموك" والمراكز القائمة على الحدود السورية الأردنية. وكانت عمان قد أنشأت "منطقة آمنة" على الجانب السوري من الحدود، كانت بمثابة مركز للمسلحين الذين يقاتلون ضد الدولة السورية.

أما التقارير، فقد أشارت إلى أنَّ ما يقدر بثلاثة آلاف أردني كانوا يقاتلون في سوريا، ولكن في فترة لاحقة، ومع ازدياد عمليات الجيش السوري المدعوم روسياً وبداية المصالحات، غيّرت عمان سياستها، وعملت في ما بعد لوقف تدفّق اللاجئين واحتوائهم.

المتغيرات الإقليمية برعاية دولية تقلق الأردن 

في ظلّ سياسات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المحابية لـ"إسرائيل"، ركَّز صهره جاريد كوشنير على كل من السعودية ومصر والإمارات العربية بشكل خاص، وأهمل الأردن، الذي عاش في هذه الفترة وضعاً غير مريح، ولا سيما أن الملوك الأردنيين كانوا قد اعتادوا العلاقات القريبة والوثيقة مع الولايات المتحدة. 

شكلت هذه العلاقة الفاترة نوعاً من الإحباط للمسؤولين الأردنيين، بعدما أعلن ترامب ضم الجولان المحتل، وكان قد أعلن قبلها نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وأوقف المساعدات عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، بمن فيهم أولئك الموجودون في الأردن.

بدا نفوذ الأردن من خلال هذه الخطوات ضعيفاً ومهمشاً، وتركزت الأهمية على العلاقات مع "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر. هذا التقارب أشعر الأردن بتهميش دوره كوسيط إقليمي لـ"إسرائيل" وحلفائه الخليجيين، في الوقت الذي تم منح الأولوية لجبهة تضمّهم لمناهضة إيران. 

جرى استبعاد الأردنيين والفلسطينيين لمدة 4 سنوات من حكم ترامب على حدّ سواء. ومع اعتماد "صفقة القرن" والاتفاقيات الإبراهيمية (التطبيع)، هُمّش الأردن أكثر، ما أدى إلى طرح المسؤولين تساؤلات حول ما إذا كان موقع الأردن الجيوسياسي ومكانته معرّضين للخطر، فضلاً عن دوره في "الوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات" بموجب اتفاقية "وادي عربة" للسلام، وما إذا كان الدور الدبلوماسي للأردن كوسيط لم يعد موضع تقدير من قبل الولايات المتحدة. وكانت العلاقة بين المملكة الهاشمية و"إسرائيل" قد شهدت توتراً بعد الوعود التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضم أجزاء من غور الأردن. 

يخشى الأردن وقف المساعدات في حال التطبيع الإسرائيلي - السعودي، علماً أن المساعدات الأساسية يتلقاها من الولايات المتحدة الأميركية، وتقدر بـ1.275 مليار دولار، إلا أنه ينتظر من إدارة بايدن إيلاء الاهتمام بمكانته عملياً، لكونه يضم العدد الأكبر من الفلسطينيين، ولا سيما بعد تأكيد الإدارة حل الدولتين في مقاربتها للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتأكيد تقديرها للدور الأردني في عملية السلام والاستقرار الإقليمي.

الفساد والثقة المفقودة في القطاع العام 

إنَّ انتشار جائحة كورونا بشكل كثيف في الأردن جعل النجاحات الأولية للحكومة في احتوائها يقبع في ذاكرة بعيدة. وقد تضرر الاقتصاد الذي يعاني بالفعل بشدة من الوباء، فضلاً عن تفاقم مستويات البطالة وازدياد معدلات الفقر بنسبة 39%. 

فقدان الأرواح بسبب الجائحة وبعض التقصير الحكومي في هذا الوقت الدقيق، ساهم في تعزيز النقد للمؤسسات العامة في صفحات التواصل الاجتماعي التي جرى حظرها. انخفضت الثقة بسبب إجماع الرأي العام على عدم كفاءة المؤسسات الرسمية والفساد، وعجز السياسات، والهدر في البلاد، إضافة إلى تذمر الإصلاحيين والعناصر القبلية - التي تعتبر ركيزة النظام الملكي - من وصول الوضع الاقتصادي الاجتماعي إلى أدنى مستوياته.

ضمن هذه الصورة، يندرج نقد الأمير حمزة ابن الحسين لاستيعاب النقد والوقوف ضد الفساد وسوء الحكم في المملكة، وهو شريك في نقد المؤسَّسة الملكية، ويدعي أن الفساد مستمر "منذ 15 و20 عاماً"، أي فترة حكم عبد الله الثاني.

الصّدام المباشر يمكن أن يشوّه النظام الملكي، لكن عُهد إلى الأمير حسن الذي يحظى باحترام كبير التعامل مع هذه النقاشات الحساسة، فهل تشير هذه المصالحة إلى نهاية المشكلة الحالية؟ على الرغم من أنه من غير المحتمل أن يكون الفصل الأخير من الصراع بين الأشقاء، إلا أن المواجهة النهائية ليست واردة.

 

هدى رزق ـ الميادين

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل