الشعب الإيراني قال كلمته… ماذا بعد؟

الإثنين 21 حزيران , 2021 01:33 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

لم تكن الانتخابات التي كانت تجري في إيران منذ تأسيس الجمهورية الاسلامية، على أنها استحقاق دستوري عادي، بمقدار ما تحمله هذه الانتخابات من تأكيد وإصرار، من الإيرانيين على حماية الثورة، ومبادئها، وثوابت أهدافها التي لم تتبدّل، ولم تنحرف، ولم تتراجع أمام التحديات والمتغيّرات الدولية، ولا أمام الضغوط والعقوبات التي فرضتها عليها دول الهيمنة والتسلط، على مدار اثنين وأربعين عاماً من انتصار ثورتها.

 في كلّ مرة تجري فيها الانتخابات، لا سيما الانتخابات الرئاسية، يلاحظ المراقب والمتتبّع الشأن الإيراني أنّ تشويشاً سياسياً وإعلامياً واسعاً، وتشكيكاً وانتقاداً من قبل أجهزة الدول المناهضة للنظام الإيراني، والتي لم تحمل في داخلها يوماً، إلا العداء الواضح للثورة التي قلبت المقاييس في المنطقة، والعمل على إسقاطها بكلّ الوسائل المتاحة.

 جاء هذا بعد أن أطاح الإيرانيون بعرش الطاووس، وهو واحد من أهمّ ركائز النفوذ الأميركي الرئيسة في المنطقة، وبدأوا بتسطير تاريخ جديد لبلدهم، يليق بهم وبكرامتهم، وسيادتهم، وقرارهم الحرّ المستقل، المعبّر عن إرادتهم، وحريتهم.

 لقد أوْلت إيران الانتخابات أهمية كبيرة، أياً كان مستواها. أكانت على مستوى البلديات، أو مجلس الشورى (مجلس النواب)، أو مجلس تشخيص مصلحة النظام، أو مجلس الخبراء، أو مجلس صيانة الدستور، وأيضاً رئاسة الجمهورية، التي تكتسب أهمية ذات طابع خاص داخلي وخارجي.

 لقد حرص على إجراء الانتخابات الإيرانية على اختلافها، مفجّر الثورة الإيرانية وقائدها الإمام روح الله الخميني، معتبراً إياها، ركناً أساسياً لمسيرة الثورة، وحكم النظام. إذ أنه إثر عودته الى إيران من المنفى، وبعد الطوفان الشعبي الذي أحاط بالإمام ناصراً، وداعماً ومؤيداً ومبايعاً، كان بإمكان الإمام الخميني وحده، أن يستثمر حبّ الجماهير الجارف، والولاء المطلق له، والهالة والكاريزما الكبيرة التي يمتلكها، من أن يعلن قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكنه لم يفعل، رغم أنه يعلم علم اليقين، أنّ الشعب سيقف وراءه وسيدعمه بكلّ قوة.

 قرار الإمام الخميني الحازم يهدف الى منع أن تتحوّل مستقبلاّ قرارات فرد أو مسؤول من بعده أياً كان موقعه، الى سلطة مزاجية، استنسابية، تكون في ما بعد نهجاً، وأداة، وعرفاً، يؤسس لسياسة تسلطية ديكتاتورية لشخص، محفوفة بالمخاطر، تزعزع لاحقاً أركان النظام وتخلخل ثوابت الثورة ومبادئها.

 لذلك أراد الإمام الخميني أن يكون القرار الحر للشعب وحده في اختيار نظامه، وأن تكون له الكلمة الفصل قبل غيره. لذلك جاء اختيار نوع النظام بإرادة الشعب، وهذه الإرادة ظلت تواكب مسيرة الانتخابات الإيرانية بكل فصولها منذ إعلان الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحتى اليوم.

حرصت إيران على إجراء كلّ الانتخابات في مواعيدها المحدّدة لها، رغم كلّ الظروف الصعبة التي شهدتها، لا سيما، أثناء الحرب المفروضة عليها، والتي دامت لثماني سنوات.

لقد آثرت القيادة الإيرانية أن تلتزم بهذا المبدأ، تاركة للشعب الإيراني أن يقول كلمته الحرة أمام كلّ استحقاق في صناديق الاقتراع.

 ها هي الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 17 حزيران، تحمل رسالة لا لبس فيها، تقول للداخل والخارج، إنّ الشعب الإيراني، رغم الحصار الظالم، والعقوبات الشرسة، والضغوط المتواصلة عليه، وسياسات العداء ضده، التي تمارسها قوى الاستبداد في العالم، أثبت مرة أخرى انه على العهد، متمسك بثورته ونظامه، وهو رغم قهر وحصار الغرب له، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركيّة، مستمرّ في الدفاع عن قيم الثورة ونظامها، وإنجازاتها الكبيرة التي حققتها في مختلف المجالات، والتي يشهد لها العدو والصديق.

الانتخابات الرئاسية التي جرت، يقول فيها الشعب الإيراني بصوت عالٍ: لا يعوّلن أحد على تغيير مسار الثورة، ولا يراهنن أحد على انحرافها عن المبادئ والنهج الذي أرساه مؤسسها، أياً كان الفائز في الانتخابات الرئاسيّة، سيظل يتحرك ضمن إطار الثورة وثوابتها، أكانت حيال الداخل أم الخارج.

إيران انتخبت رئيس السلطة القضائيّة إبراهيم رئيسي، رئيساً جديداً لها، وهذا الاختيار يعزز من وحدة وقوة القرار الإيراني، ومن الموقف والهدف، بين السلطات كافة، في وقت تواجه فيه طهران ملفات عديدة حساسة، أبرزها الملف النووي، وملفات التطورات الجارية في المنطقة، وتهديدات واعتداءات دولة الاحتلال «الإسرائيلي»، ومواقف طهران لجهة دعمها حركات المقاومة.

كما أنها أمام ملفات داخلية تنتظرها، بغية القيام بالإصلاح الإداري ومواجهة أشكال الفساد كافة، وتعزيز الاقتصاد المقاوم، والحدّ من التضخم، وامتصاص تداعيات وشراسة العقوبات المفروضة عليها.

 الإيرانيون اليوم قالوا كلمتهم للعالم، وخاصة للذين يناصبون العداء الدائم لثورتهم: لا تراهنوا على وسائل الإعلام المشبوهة، وتصريحات زعماء سياسيين في العالم استوطنت الكراهية والبغضاء في نفوسهم ضدّ النظام الإيراني، ولا تراهنوا على تراجع عزيمة وولاء الشعب للثورة، فهذه الثورة تتحرّك من القمة الى القاعدة، بإرادة وسياسة، ورؤية، وأهداف ومبادئ واحدة، بما يضمن سيادة إيران وحريتها وقرارها الوطني المستقلّ.

على هذا الأساس تتعاطى إيران مع العالم، وعلى العالم بدوره أن يتعامل معها بشرف وصدقيّة ويحترم قرارها وإرادة شعبها.

 

د.عدنان منصور ـ البناء

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل