أوّل قاموس عربيّ مصوّر من إنتاج فلسطينيّ

الخميس 22 تموز , 2021 06:34 توقيت بيروت ثقافة

الثبات ـ ثقافة

المعاجم أو القواميس ليست مجرّد نقل لكلمات مترجمة، بقدر ما هي حامل لمكنون معرفيّ، وآليّة في اكتساب اللغة والتحكّم في ناصيتها، وطريقة لفهم الثقافة، وقد جاءت تسميته العربيّة من الفيروزآبادي (1329-1414م) الّذي أطلق الاسم لأوّل مرّة على معجمه فسمّاه «القاموس المحيط»؛ أي البحر الأعظم كما ذكر ذلك المؤلّف نفسه. ولمّا كثر تداوله وصار معروفًا اكْتُفِيَ من اسمه بـ «القاموس»، ثمّ انتقل منه إلى ما ماثله فشمل المعاجم اللغويّة السابقة واللاحقة، وصار القاموس مرادفًا للمعجم كما يقول د. عدنان الخطيب في «المعجم العربيّ بين الماضي والحاضر».

 المكتبات العربيّة اليوم، أصبحت شبه خالية من القواميس الجديدة والمبتكرة الأصليّة، وبقي اعتمادها أكثر على القواميس المترجمة من لغات أخرى.

رغم أنّ الثقافة العربيّة الممتدّة منذ قرون زخرت بالكثير من المعاجم اللغويّة أو القواميس الأولى، الّتي استمدّت أهمّيّتها من عمليّة التبادل الثقافيّ، بين الشعوب ولغات المنطقة، ضمن مفهوم الدولة الإسلاميّة، إلّا أنّ المكتبات العربيّة اليوم، أصبحت شبه خالية من القواميس الجديدة والمبتكرة الأصليّة، وبقي اعتمادها أكثر على القواميس المترجمة من لغات أخرى.

تطوّرت صناعة القواميس مع تطوّر اللغات الحديثة، صانعة أشكالًا وأنواعًا مختلفة، حسب الفئة المستهدفة، والمستوى اللغويّ، ولعلّ أبسط أشكالها القواميس المصوّرة، أو القاموس التصويريّ، وهو قاموس يعرض تعريفات الكلمات فيه شكل رسم أو صورة، وأحيانًا يستخدم السرد القصصيّ المصوّر في إيصال المعاني بشكل أوضح إلى متلقّيها. وتُعَدّ القواميس المصوّرة مفيدة في مجموعة من البيئات التعليميّة، مثل تعليم الأطفال معلومات عن لغتهم الأمّ، أو تعليم الطلّاب الأكبر سنًّا للغات الأجنبيّة.

الحاجة

من الشُّحّ في المكتبة العربيّة من القواميس المصوّرة الأصليّة، جاءت فكرة صناعة قاموس مصوّر للأطفال باللغة العربيّة، للباحثة التربويّة الفلسطينيّة ماجدة حوراني، وهي مديرة مؤسّسة «رمّان» التربويّة المساندة، والمتخصّصة بتعليم اللغات والخرائط التعليميّة، والمرخّصة بالولايات المتّحدة الأمريكيّة، وأُطْلِقَ على القاموس «قاموس رمّان المصوّر».

تقول ماجدة حوراني إنّها خلال فترة عملها بتدريس اللغة العربيّة في الولايات المتّحدة للأطفال، لم يكن قاموس عربيّ أصليّ مصوّر للأطفال، بمعنى أنّ القواميس العربيّة المصوّرة للّغات الأخرى كانت قواميس مترجمة، ونقلت رسوماتها من لغتها الأصليّة، ففكّرت كثيرًا في ضرورة وجود قاموس عربيّ مصوّر، يحتوي رسومات أصليّة من الثقافة العربيّة؛ ومن هنا جاءت الفكرة الّتي عملت عليها سنوات، حتّى رأت النور مؤخّرًا، وأُعْلِنَ المشروع عبر إطلاق موقعه الإلكترونيّ وصفحات التواصل الاجتماعيّ التابعة له.

ينطلق المشروع من فكرة أنّ اللغة أكثر من مجرّد حروف وكلمات، إنّما مضامين ثقافيّة، فأرادت حوراني إيجاد قاموس مصوّر يحوي رسومات من الثقافة العربيّة، ويحمل مضامين ثقافيّة مثل التعدّد الجندريّ، والقوميّات، والإثنيّات المختلفة في المنطقة العربيّة، وذوي الاحتياجات الخاصّة، وأيضًا موضوع الحيوانات، وقد جعلت إحدى الشخصيّات الرئيسيّة في القاموس كلب الأسرة الّذي يعي معها في المنزل.

الخروج عن الصور النمطيّة

المتصفّح للقاموس سيرى أنّ دراسة معمّقة كانت خلف هذا المشروع، راعت بشكل كبير الخروج عن الصور النمطيّة في الأدوار بالمجتمع؛ فلا يوجد رجل يعمل وامرأة تجلس في البيت لتربّي الأطفال، بل قاموس يحمل رؤية عصريّة لمفهوم الأسرة العربيّة من حيث المرأة الّتي تعمل، والرجل الّذي يشارك في معظم أعمال البيت مثلًا.

استغرق العمل على المشروع، وابتكار الشخصيّات ورسمها، ما يقارب السنتين، وتقوم فكرة القاموس على أسرة عربيّة «عائلة حسن»، وتفرّعاتها من الأخوال والأعمام والعمّات والجدّات. وتتكوّن الأسرة من شخصيّات مركزيّة، تبقى في كلّ قصص الموضوعات، وشخصيّات فرعيّة متغيّرة ضمن السياق السرّيّ، وثمّة تسلسل وترابط في سرد أشبه بالحكاية منذ بداية القاموس إلى نهايته؛ وهو ما يجعل منه مفتاحًا مهمًّا لتعلّم اللغات للصغار واليافعين، مراعيًا حاجة الطفل اللغويّة، ومستواه العقليّ والنفسيّ والعلميّ.

بالتالي هو قاموس صُنِعَ وفق الشروط العلميّة والتربويّة؛ ليكون وسيلة من الوسائل التعليميّة التثقيفيّة، الّتي تسهم في تكوين الطفل وتنمية رصيده اللغويّ، وتعليمه ككلّ. ولأنّه يشترط في الكتب المدرسيّة تَزَوُّد الطالب، حسب مستواه التعليميّ، ببعض الكلمات الجديدة ذات المواصفات الخاصّة من حيث اللفظ والمعنى؛ فهذا القاموس المصوّر يلبّي حاجات المتعلّم للّغة في تسهيل فهم هذه الكلمات ومضامينها واستخداماتها المتعدّدة.

الحياة اليوميّة

يشتمل القاموس على 24 موضوعًا، تغطّي معظم مواضيع الحياة اليوميّة الّتي يحتاج إليها أيّ متعلّم جديد للغة، فثمّة عائلتان أساسيّتان في القاموس تتفرّعان من الأسرة الرئيسيّة «أسرة حسن»؛ العائلة الأولى هي عائلة الأب، الّتي تتكوّن من الجدّ والجدّة والأب والأعمام والعمّات والأحفاد، وهم من منطقة بلاد الشام، وهذه الأسرة ثابتة، وعائلة الأمّ الّتي تتكوّن أيضًا من الجدّ والجدّة والخالات والأخوال والأحفاد، لكن هذه العائلة تتغيّر قوميّتها غالبًا حسب اللغة المستهدفة؛ ففي النسخة الأولى من القاموس العربيّ تكون عائلة الأمّ سودانيّة، وعائلة الأب شاميّة فلسطينيّة. لكن في القواميس الّتي أصدرتها المؤسّسة لاحقًا تتبدّل عائلة الأمّ لتكون جغرافيًّا وثقافيًّا من المنطقة الناطقة بلغة القاموس.

تطوّرت الفكرة بعد إنجاز «القاموس العربيّ المصوّر» الأوّل، كما تقول ماجدة حوراني: "بعد أن أنجزنا ‘القاموس العربيّ المصوّر‘، فكّرنا في صناعة قواميس للغات أخرى، خاصّة تلك الّتي لا يتوفّر لديها قواميس أصليّة بلغاتها، مثل الكرديّة والسواحيليّة، وبالفعل أنجزنا من خلال مؤسّسة ‘رمّان‘ بعد القاموس العربيّ، قواميس عدّة أخرى بلغات مختلفة، بدأت بثلاثة قواميس كرديّ كرمنجيّ، وكردي صورانيّ، وسواحيليّ".

تضيف حوراني: "أردنا من فكرة صناعة قواميس بلغات أخرى أن تكون جسر محبّة، بيننا نحن الفلسطينيّين صنّاع لهذا القاموس وبين الشعوب الأخرى، فمن الجميل أن يستخدم طفل في الصومال أو كينيا قاموسنا باللغة السواحيليّة، الّذي وضعه فلسطينيّون، ويلمس التقارب الثقافيّ والإنسانيّ".

في كلّ قاموس صنعناه بقيت الأسرة الفلسطينيّة الشاميّة ثابتة، لكن أسرة الأمّ تتغيّر لتكون من قوميّة لغة القاموس الجديد؛ وبناء عليه تتغيّر المعطيات الأخرى مثل أثاث البيت، والملابس، وكلّ ما يعكس روح ثقافة المجتمع المتحدّث بهذه اللغة.

تعمل المؤسّسة مع مترجمين من لغات مختلفة، لإنجاز نسخ مصوّرة بلغات أخرى، فقد أنجزت بالإضافة إلى العربيّة، الكرديّة والسواحيليّة، وأيضًا نسخًا من قاموس «رمّان» باللغات الإنجليزيّة والفرنسيّة والألمانيّة، وما زالوا يعملون على أن يكون بلغات أخرى؛ ليكونوا بذلك أوّل مؤسّسة عربيّة تُنْتِج قاموسًا أصليًّا حديثًا بجودة عالية للعالم.

من فلسطين إلى العالم

منذ صدور النسخ الأولى من القواميس باللغات المختلفة، لاقت المؤسّسة ردود أفعال جيّدة كما يقولون، من مؤسّسات ثقافيّة وتعليميّة في دول مختلفة، كما وصلتهم رسائل عديدة من مؤسّسات في الولايات المتّحدة وأفريقيا وغيرهما، تطلب منهم صناعة قواميس بلغات أخرى مثل يوربا، وهي لغة أفريقيّة يتحدّثها نحو 40 مليون نسمة في دول غرب أفريقيا، ومن دول أخرى لإنجاز قاموس فارسيّ وتركيّ.

 لا يزال مشروع «رمّان» رغم كبره ناشئًا مستجدًّا؛ يبذل العاملون في المشروع جهدًا كبيرًا في إيصال مشروعهم الّذي يعتبرونه ثقافيًّا ومعرفيًّا فلسطينيًّا للعالم، يسعون من خلاله إلى سدّ جزء من الفراغ الحاصل في مكتبات العديد من القوميّات...

لا يزال مشروع «رمّان» رغم كبره ناشئًا مستجدًّا؛ يبذل العاملون في المشروع جهدًا كبيرًا في إيصال مشروعهم الّذي يعتبرونه ثقافيًّا ومعرفيًّا فلسطينيًّا للعالم، يسعون من خلاله إلى سدّ جزء من الفراغ الحاصل في مكتبات العديد من القوميّات، الّتي لا تمتلك قواميسها المصوّرة الخاصّة، وفي نفس الوقت، تقديمه مشروعًا فلسطينيًّا معرفيًّا أصليًّا من حيث رسوماته المصوّرة وفهرسته.

يُذْكَر أنّ أقدم القواميس المكتشفة في العالم حتّى الآن، كان في مدينة إيبلا، في سوريا اليوم، على رُقمٍ طينيّة مدرج عليها أعمدة من الكتابة المسماريّة من حوالي 2300 قبل الميلاد، وتتألّف من كلمات من اللغة السومريّة ونظرائها في اللغة الأكّديّة، ومن أقدم القواميس أيضًا قاموس بابليّ يعود للألفيّة الثانية قبل الميلاد.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل