خيمة بيغاسوس ـ عدنان الساحلي

الجمعة 23 تموز , 2021 10:50 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

بين الخيمة التي أقامها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري؛ وتقاطر عليها متلونو العقائد وتجار السياسة، لبيع بضاعتهم في التقرب من السفير وأميره وتقديم الولاء والطاعة لهما؛ حيث شاهدناهم حينها يقفون في طابور طويل للإعتذار عما فعله سفهاء تجارة المخدرات، شركاء أمراء المملكة، على نسق "أمير الكبتاغون" المشهور عبد المحسن بن وليد بن عبد العزيز، المنتمي الى العائلة المالكة السعودية؛ وبين الصمت المطبق الذي نراه حالياً لذلك الحشد من الشخصيات، أمام فضيحة طلب المملكة السعودية ودولة الإمارات من شركة "إسرائيلية"، التجسس على كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري؛ ورجال سياسة ودبلوماسيين وصحافيين وشخصيات لبنانية، يتبين مدى التواطؤ وعمق رهانات البعض على ما هو آت ومتوقع، إن كان بواسطة المملكة، أو إدارة بايدن الجديدة وحتى العدو "الإسرائيلي". 
حتى الساعة، ما زال الصمت صفة أعضاء جماعة السيادة الفولكلورية وإستقلال المناسبات اللبنانية، الذين لم يخرجوا إلى الإعلام ولو لحفظ ماء الوجه، على الإنتهاك الصريح الذي قام به إبن سلمان مع الإمارات وعبر شركة "إسرائيلية"، ليستبيح هواتف خصومه وأصدقائه على حدّ سواء. كما أن حماقة اولئك الحكام طالت مثيلتهم سلطات المغرب، التي طلبت التجسس بواسطة البرنامج "الإسرائيلي" على الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي أمر بدوره "بسلسلة كاملة من التحقيقات"، بشأن ملف البرنامج "الإسرائيلي" المذكور، حسب ما أعلن رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس. 
والفضيحة التي عُرفت بفضيحة "بيغاسوس" كشفتها منذ أيام صحيفة "لوموند" الفرنسية. وبينت أن الأمر يتعدّى التنصّت غير المشروع وانتهاك السيادة، ليشكّل تهديدًا أمنيًا حقيقيًا للمستهدفين بشكل خاص وللبلد بشكل عام. إذ أنه يكشف عن تعاون إستخباراتي سعودي- إماراتي- صهيوني ضد لبنان ، لطالما جرى التحذير من وجوده. وها هي الأحداث تؤكده.
وقال رئيس الوزراء الفرنسي، إن قرار ماكرون يأتي بعد ما كشفت عنه وسائل إعلام عدة، بشأن اختراق هواتف سياسيين وصحافيين فرنسيين، بمن فيهم الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب، بهدف المراقبة المحتملة من قبل البرنامج "الإسرائيلي".
وقد كشف تحقيق استقصائي نشر مؤخراً، أن نشطاء وصحافيين وسياسيين حول العالم استهدفوا بعمليات تجسس بواسطة برنامج خبيث للهواتف الخلوية طورته شركة "NSO  الإسرائيلية" الخاصة.
واللافت أن هذا الحدث ياتي في سياق تسلسل أحداث سعودية في لبنان، كانت خيمة البخاري احدها. وتلاها إشهار البخاري لشخصية رجل السعودية الأول في لبنان، في هذه المرحلة وهو رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع، في لقاء جمعهما تمت فيه "بيعة" البخاري لجعجع، قراراً سعودياً بإعادة السماح باستيراد المنتوجات الزراعية اللبنانية. ثم جاءت فضيحة "بيغاسوس" لتغطي على ما عداها من أحداث.
كل ذلك ولبنان يعيش مخاض محاولات لتشكيل حكومة تخلف حكومة حسان دياب المستقيلة، كان للسعودية الدور الأبرز في إفشالها، نظراً لرفضها أن يكون هذا التشكيل على أيدي رجلها السابق سعد الحريري، الذي بات غضب أمير المملكة مصوباً نحوه. فهذا الرجل الذي يطلق عليه لقب "الدبّ الداشر" والذي سبق وقتل مواطنه الصحافي جمال خاشقجي في سفارة بلاده في تركيا، تقطيعًا؛ واختطف أقرباءه ومعهم رئيس حكومة لبنان آنذاك سعد الحريري، هو شخصية غريبة الأطوار موصوفة بالتوحّش، حسب ما باتت الصحافة تطلق عليه. وليس مستغرباً لجوءه لطلب التجسس على أصدقاء وأخصام له.
وجدير بالسؤال، هل أن هذه الأحداث تشكل خيطاً مترابطاً لحدث لبناني ينتظره جماعة أميركا والسعودية في لبنان، إذ أن ما يجري ترافق مع ما وصف بتشدد الرئيس الأميركي جو بايدن، في إخطاره الكونغرس الأميركي باستمرار وضع لبنان ضمن "الطوارىء الوطنية" لمدة عام جديد، بزعم استمرار أنشطة فيه تهدد الامن القومي الأميركي. في تجديد عملي للحصار الأميركي المضروب على لبنان، من ضمن الحصار المفروض على سورية، بحجة قانون "قيصر" الأميركي. وهو ما يدفع المراقبين إلى توقع زيادة الضغوط الأميركية على لبنان، لإجباره على الخضوع للمطالب "الإسرائيلية" والإملاءات الأميركية، بترسيم حدوده مع فلسطين المحتلة وإلقبول بما يحدد له من حقول النفط والغاز البحرية وفق المشيئتين الأميركية و"الإسرائيلية"؛ وبتوطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين ونزع سلاح المقاومة. 
هذا يؤكد أن ما يجري من كباش على الساحة اللبنانية، ليس مسألَة خلاف على تأليف حكومة، بقدر ما هو مسار تطور الضغط الخارجي إنطلاقاً من قرار أميركي بتخريب لبنان، تشارك السعودية و"إسرائيل" في تنفيذه، بحيث تزداد الازمات في لبنان وتتشعب وتتعمق أوجاع الشعب اللبناني، أمام أعين الفاسدين من حكامه، الذين أوهنوا مناعته بفسادهم وهدرهم وسرقتهم للمال العام؛ وفي جبنهم عن مواجهة العقوبات الأميركية ببدائل متاحة، فواشنطن هدَّدَت بفرض عقوبات على الحكومة اللبنانية، في حال وافقت على إدخال البنزين الإيراني. وهذا هو حال عروض المساعدة في تمويل المشاريع الكبرى وتنفيذها من جهات روسية وصينية، فكل من دخل "خيمة بيغاسوس آل سعود" لا رجاء منه لإخراج لبنان من تأثيرات هذا العدوان الأميركي.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل