16 عاماً على تحرير غزة

الإثنين 20 أيلول , 2021 10:09 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

أحيا الشعب الفلسطيني ذكرى تحرير قطاع غزة، ودحر آخر جندي صهيوني عنه قبل نحو 16 عاماً، وتحديداً يوم 12 أيلول/سبتمر 2005.

شكّل تحرير غزة نقطة فارقة في التاريخ الفلسطيني، كونها المرة الأولى التي يتمكّن فيها الشعب الفلسطيني، بفعل المقاومة، من طرد الاحتلال الإسرائيلي عن أرض فلسطينية محتلة منذ النكبة عام 1948، من دون اتفاق أو تسوية أو دفع أثمان سياسية.

ما زلتُ أذكر تلك اللحظة. كان منزلي في مخيم خان يونس للاجئين، ويبعد 200 متر عن أسلاك مستوطنة "غوش قطيف"، كبرى مستوطنات العدو في قطاع غزة. وأحاطت الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش حدودَ المستوطنة من جهاتها الأربع. وصبيحة يوم 12 أيلول/سبتمبر، تجوَّلتُ مع أصدقائي، وعشرات آلاف المواطنين، وسط المستوطنة المحرَّرة، ونحن نكاد لا نصدّق ما حدث بسبب الفرحة العارمة.

في تلك اللحظة، لم يبقَ طفل ولا شابّ ولا كهل ولا امرأة في بيوتهم. فقطاع غزة محرَّرٌ من جنود الاحتلال وثُكَنِهم وحواجزهم، وخالٍ من المستوطنين ومستوطناتهم وكيبوتستاتهم!

قبل يوم من الانسحاب، توجَّهت إلى جامعتي في مدينة غزة، التي تبعد عن خان يونس 25 كلم. يُفترَض بالسيارة أن تقطع المسافة في نصف ساعة في الوضع الطبيعي، لكنّ حواجز جيش العدو تُعَوِّق المرور. وعند حاجز أبو هولي الشهير، يمتد طابور السيارات أكثرَ من كلم، فاستغرقت 3 ساعات كي أصل، وكنت محظوظاً، فلقد مرّت أيام أمضينا فيها النهار والليل عند الحاجز في رحلة العودة من الجامعة إلى البيت.

في اليوم التالي للانسحاب، احتفلت الفصائل الفلسطينية على أنقاض المستوطنات التي أصبح اسمها "المحرَّرات". ونظَّمت المقاومة الفلسطينية عرضاً عسكرياً مَهيباً، وأعلنت أن طرد العدو من غزة هو بدايةُ تحرير فلسطين كاملةً.

فكّك العدو خلال اندحاره 21 مستوطنة، تشكل نحو 35% من مساحة قطاع غزة، ويستوطن فيها نحو 8600 مستوطن.

شكّلت انتفاضة الأقصى في أيلول/سبتمبر 2000 نقلةً نوعية في الصراع مع العدو، بحيث بدأت المقاومة تطويرَ أدواتها وقُدُراتها العسكرية، واعتمدت على التصنيع المحلي، على نحو أساسي، بقيادة الشهيد القائد القسامي عدنان الغول، أول من صنع قذائف الهاون والمقذوفات الصاروخية في غزة. وانتقلت المقاومة من استراتيجية استهداف الجنود والثُّكَنِ العسكرية، إلى نقل المقاومة إلى عمق المستوطنات، من خلال عمليات الاقتحام، وتكتيك مشاغلة المستوطنات بالنيران البعيدة.

بالتوازي، لجأت المقاومة إلى الإمداد العسكري، ونجحت كتائب "القسام" وغيرها من فصائل المقاومة، في الحصول على الأسلحة عبر الحدود مع مصر وعبر البحر، الأمر الذي أجبر العدو على إنشاء جدارٍ فولاذيّ، ارتفاعه 6 أمتار، على امتداد 12 كلم، بعد أن هدم عشرات المنازل الفلسطينية، وأقام عشرات المواقع والأبراج العسكرية، من أجل الحد من عمليات الإمداد عبر سيناء.

من أبرز عمليات المقاومة خلال خمسة أعوام، قبل طرد العدو من غزة، من عام 2000 إلى عام 2005، اقتحامُ مستوطنة "إيلي سيناي" في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2001 وقتل 3 مستوطنين وإصابة 17 واستشهاد القساميَّين إبراهيم نزار ريان وعبد الله عودة شعبان. وفي 7 آذار/مارس 2002، اقتحم الاستشهادي القسامي محمد فتحي فرحات مستوطنة عتسمونا ضمن مجمّع غوش قطيف جنوبيّ القطاع، وقتل 5جنود وأصاب 23 آخرين.

وفي عملية مشتركة بين كتائب "القسام" و"سرايا القدس"، بتاريخ 24 تشرين الأول/أكتوبر 2003 قُتل 3 جنود صهاينة وأصيب آخرون، خلال اقتحام مستوطنة "نتساريم".

ومن أُولى عمليات تفجير المواقع العسكرية عن طريق الأنفاق، تمكّنت كتائب "القسام"، في 27  حزيران/يونيو 2004، من تفجير موقع "أورحان" العسكري الشهير بمحفوظة، وقتل وجرح مَن فيه.

وفي عملية مشتركة بين حركتي "فتح" و"حماس" قُتل 5 جنود صهاينة في أثناء اقتحام موقع عسكري في جوار معبر رفح.

ما أوردناه من نماذج، هو جزءٌ من عشرات عمليات المقاومة العسكرية، والتي تنوَّعت بين اقتحام المستوطنات والثُّكَنِ العسكرية، وتفجير مواقع عسكرية عبر الأنفاق، وأسفرت بين عامي 2000   و2005 عن قتل 164 جندياً صهيونياً، وجرح 812 آخرين، إلى جانب القصف شبه اليومي للمستوطنات بقذاىف الهاون المحلية الصنع. وشهدت تلك الفترة تجسيداً حقيقياً للوحدة الوطنية، على قاعدة مقاومة العدو. ونفّذت الفصائل عدداً من العمليات العسكرية المشتركة.

ساهمت عمليات المقاومة المتنوعة في ضرب عمق نظرية الأمن الصهيوني، حتى أجبرت العدو، في النهاية، على اتّخاذ قراره القاضي بالاندحار من غزة، وأرغمت رئيس وزراء العدوّ في حينه، أرئيل شارون، صاحب نظرية "نيتساريم كالنقب وتل أبيب"، على الاندحار من غزة تحت ضربات المقاومة. وبُدِئَ تفكيكُ أول مستوطنة بتاريخ 15 آب/أغسطس 2005، وانسحب قائد فرقة غزة في حينه أفيف كوخافي (رئيس الأركان الحالي للعدو)، وأغلق بوابة "كيسوفيم"، في آخر يوم للوجود الصهيوني في غزة بتاريخ 12 أيلول/سبتمبر 2005.

 

وسام أبو شمالة ـ الميادين

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل