لبنان مستعمرة أميركية ـ عدنان الساحلي

الجمعة 22 تشرين الأول , 2021 10:23 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يقال أن المكتوب يقرأ من عنوانه. وعنوان الموقف اللبناني من الضغوط الأميركية، لفرض إرادة العدو "الإسرائيلي" عليه، مخيب للأمال. كيف لا والمسؤولون اللبنانيون يستقبلون "إسرائيلياً" سبق وخدم في جيش العدو، أرسلته الإدارة الأميركية ليكون وسيطاً بين لبنان وكيان الإستيطان الصهيوني، في الخلاف الواقع على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة. 

المسؤولون اللبنانيون، خوفاً على مصالحهم الشخصية وخشية العقوبات الأميركية، لا يتجرأون على إتخاذ موقف يحفظ الكرامة الوطنية وحقوق لبنان القانونية. ولا يتمسكون بالسياسة الرسمية والمعلنة طوال مراحل الصراع مع الغزاة الصهاينة، الذين يحتلون فلسطين ويطمعون بكل أرض وخيرات مجاورة تطالها أياديهم، بما يحقق لهم "إسرائيل العظمى"، التي تهيمن على المنطقة العربية وقد تتعداها إلى كل أرض أو بلد، يكون خانعاً وضعيفاً في مواجهة هذا "السرطان"، المدعوم من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة. 

وبكلمة أوضح، يرتكب المسؤولون اللبنانيون جريمة "التطبيع" مع العدو "الإسرائيلي" وعيونهم مفتحة وواعية على فعلتهم. فالذي لا يجروء على رفض مصافحة "الإسرائيلي" ولو كان يتخفى بقناع مندوب أميركي، لن يجروء على رفض إملاءاته ومواجهته بالتمسك بحقوق لبنان في أرضه ومياهه وثروته من النفط والغاز، القابعة في عمق مياهه الإقليمية. أو برفض توطين اللاجئين الفلسطينيين، بدلاً من إعادتهم إلى أرضهم وبيوتهم السليبة، التي يحتلها مستوطنون قدموا من آخر بقاع الأرض. وكذلك لن يجروء على رفض دمج المعارضين السوريين في البيئة اللبنانية، ليكونوا أداة غب الطلب لإستعمالهم ضد دولتهم، خدمة لأطماع ومشاريع الهيمنة الغربية والصهيونية. وهذا الخنوع الرسمي اللبناني، يشجع المبعوث الأميركي-الصهيوني عاموس هانكشتين، على طرح حل تطبيعي للخلاف على ملكية بلوكات النفط الواقعة ضمن الحدود المائية اللبنانية، قرب حدود فلسطين؛ والتي يطمع العدو بالإستيلاء على الجزء الأكبر منها. 

والواقع، أن معظم القوى السياسية في لبنان، تدور بشكل أو بآخر في الفلك الأميركي، أو تخشى غضبه عليها، باستثناء حزب الله المشتبك مع الأميركيين على مستوى لبنان والمنطقة، من ضمن الصراع الدائر بين مشروع الهيمنة الأميركية-"الإسرائيلية"؛ ومشروع التحرر الذي يقوده محور المقاومة.

حتى أن ما كان يسمى "يساراً" في مرحلة مضت، بات أميركياً، ما عدا أنفار قبضوا على جمر المبادىء؛ وباتت مسافة من سوء الظن تفصل بينهم وبين من "تأمرك" من رفاقهم، ممن كان يقدم نفسه على أنه "مناضل"، فإذ به ينهار أيديولوجياً مع إنهيار الإتحاد السوفياتي ويلتحق كل فرد منه بزعيم قطيعه الطائفي، أو بأقرب رأسمالي متوحش يدفع له ما يعوضه عن سنوات الفقر والنضال.  

لقد مضى ذلك الزمان الذي كانت شوارع بيروت تغص فيه بالمحتجين على زيارة مبعوث أميركي، أو على دخول بارجة حربية أميركية إلى مرفأ بيروت. وبات الوجود الأميركي العسكري في لبنان أمراً مألوفاً ومنتشراً، تحت حجج وزرائع تجارية ونفعية. والحقيقة أن الأميركي هو الحاكم الفعلي في لبنان، فقد رست السفينة الأميركية "USNS Choctaw County"   في مرفأ بيروت، خلال شهر أيلول الماضي؛ ولم نسمع كلمة إحتجاج من أحد. علماً أن هذا "الصديق" الأميركي المزعوم، الذي زارتنا بارجته، كان مجلس نوابه قد أقرّ باغلبية ساحقة، خلال الشهر ذاته، مشروع قانون يقدم مليار دولار إضافياً على مساعداته الأمنية، لتحديث منظومة "القبة الحديدية" للدفاع الصاروخي "الإسرائيلية". في حين تمارس قواته إحتلالاً فعلياً في سورية والعراق.

كما أن هناك تجاهلا عاماً للتسهيلات العسكرية، التي توفرها السلطات اللبنانية للأميركيين، في القواعد العسكرية الجوية اللبنانية وفي مختلف ثكنات الجيش، التي لا يغيب عنها المستشارون الأميركيون. فيما تحول مطار حامات إلى قاعدة عسكرية أميركية بكل ما للكلمة من معنى. في وقت يجري فيه تحويل السفارة الأميركية في عوكر، إلى مدينة عسكرية أميركية تشبه المنطقة الخضراء في بغداد، فهي تتكون من مبانٍ ضخمة تمتد على مساحة واسعة، بنيت بأيد عاملة أميركية. ومنع دخول عمال لبنانيين أو عرباً إليها. وهناك وقائع عن الوجود العسكري والأمني الأميركي في لبنان، تحتاج إلى صفحات لشرح تفاصيله وتفنيد عديده ومهامه. كل ذلك مقابل دعم عيني للجيش لا يتجاوز المائتي مليون دولار سنوياً، من الأسلحة والآليات المستعملة، التي أحالها الجيش الأميركي إلى التقاعد، بعدما تخطاها الزمن وأصبحت خردة.

كل ذلك يوصلنا إلى بيت القصيد وهو خشية كبار المسؤولين وإحجامهم عن تعديل المرسوم 6433 /2011. وهو أمر بات ضرورياً، لأنّ التمسك به يعني إعترافاً بكيان «إسرائيل» وتنازلاً عن حدود لبنان الدولية مع فلسطين؛ وإطاحة باتفاقية «بوليه نيوكمب» وباتفاقية الهدنة. فهذا ما فعله إتفاق الإطار الذي تولته حكومة فؤاد السنيورة، الذي أهدر حق لبنان بمساحة 2290 كلم2، زيادة على المساحة التي حدّدت له في مشروع إتفاقية مع قبرص.

فالمرسوم 6433/ 2011 حسب الخبراء العسكريين اللبنانيين، جريمة بحق لبنان والتمسّك به جريمة أكبر، فهو أرفق بالمرسوم خريطة يظهر عليها إسم الكيان الصهيوني «إسرائيل» بدل فلسطين، في اعتراف واضح وبوثيقة رسمية لبنانية موقعة من رئيس الدولة بكيان العدو، خلافاً للموقف الرسمي اللبناني. كما أن الخريطة المرفقة بالمرسوم المذكور، لم تظهر حدود لبنان الدولية مع فلسطين المحتلة. وفي ذلك خضوع للعدو "الإسرائيلي"، الذي يريد التنصل من اتفاقية "بوليه نيوكمب"، التي رسمت تلك الحدود.

كذلك تبرز الهيمنة الأميركية في منع الجيش اللبناني من الحصول على أسلحة أو دعم من دول أخرى، لا يرضى الأميركي عنها مثل روسيا وإيران. وفي منعه من إستعمال السلاح الأميركي ضد العدو ألإسرائيلي". وحادثة شجرة العديسة ماثلة أمامنا.

ولا تقتصر الهيمنة الأميركية على الجانب العسكري، فكل اللبنانيين باتوا يعرفون ويرددون، أن رياض سلامة "المدير التنفيذي" للمؤامرة الأميركية بتجفيف لبنان من العملات الصعبة؛ وتهريب ما لم يسرقه السياسيون وأصحاب المصارف منها إلى الخارج، هو تحت الحماية الأميركية، لأنه رجل الأميركيين مع كبار أركان جمعية المصارف، الذين لولا الحماية الأميركية لهم، لما تجرأوا على التنكيل بالمودعين اللبنانيين وسرقة أموالهم. 

والأمر نفسه بالنسبة للقضاء، الذي كان محصناً عن النقد أو التداول في أوضاعه. لكن مجريات الأحداث منذ التواطؤ مع شهود الزور بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري؛ وعدم الإعتذار عن ظلم الضباط الأربعة. وصولاً إلى كسر قرار المدعي العام المالي علي إبراهيم، بوضع إشارة منع تصرف على أصول عشرين مصرفاً لبنانياً، تشمل أملاك رؤساء ومجالس إدارات تلك المصارف. ثم بعد الذي حصل مع القاضية غادة عون وقطع الطريق على ملاحقتها لمهربي أموال المصارف والمودعين. وكذلك ما جرى مع القاضي محمد مازح، الذي دفع ثمن محاولته منع السفيرة الأميركية من التدخل في الشؤون اللبنانية. وصولاً إلى تحقيقات قضية إنفجار المرفأ ومحاولات التسييس التي تحكمها. كل ذلك يؤكد ما يقال من أن القضاء لم يكن يوماً مستقلاً، وتبعيته للسلطات السياسية التي تعين أعضاءه، هي ذاتها تجعله تابعاً للمشيئة الأميركية التي تدير السياسات اللبنانية، بما يسمح بالقول أن الأميركيين نجحوا في جعل لبنان إحدى حدائقهم الخلفية، بل هو اشبه بمستعمرة يديرونها حسب مشيئتهم.      
 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل