أوراق خريف رئاسية ـ عدنان الساحلي

الجمعة 07 كانون الثاني , 2022 11:06 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

ترى أكثر من جهة عليمة بالأوضاع اللبنانية، أن ما نراه من صراع سياسي محتدم حول باقة من القضايا الخلافية، هو مظهر لكباش سيزداد حماوة كلما إقتربنا من الإستحقاق الرئاسي. وأن هذا الكباش الذي يتكرر أمام كل إستحقاق مماثل، هو مناسبة لأخذ التوقيع المسبق، من الأوفر حظاً في الوصول إلى قصر بعبدا، بالموافقة على ما تريده الأطراف الخارجية الفاعلة، من الرئيس ومن حكوماته في العهد الرئاسي الجديد. ومن يوقّع على تلك التنازلات يحظى بالدعم الموعود. ويبدو أن البعض وقّع مسبقاً على مشاريع الخارج ليعبّد بها طريقه الرئاسي، بعد أن كشف أوراقه وتبعيته لهذه المرجعية الدولية أو تلك، أو لوكيلها الإقليمي. 

وتذكّر تلك الجهات، بأن أرانب المسترئسين لم تخرج كلها بعد من قبعاتهم، فالمخفي أعظم. واللبنانيون إعتادوا أن يصنع لهم الخارج رئيس جمهوريتهم. هكذا جرت الأمور منذ أن شكلت فرنسا المستعمرة الكيان اللبناني ورسمت له حدوده ومكوناته، بالإتفاق مع شريكها المستعمر البريطاني، فكان صراع المسترئسين حينها، بين من هو فرنسي الولاء، أو ذاك الذي يتلقى أوامره من سفير ملكة إنكلترا، التي لم تكن الشمس تغيب عن مستعمراتها. واستمر الحال على ما هو عليه في لبنان في ظل نظام المحاصصة الطائفية، المتحالفة مع كبار المتمولين من رجال أعمال وأصحاب مصارف.  

وفيما لم يغب نفوذ تلك القوتين الإستعماريتين عن لبنان والمنطقة، طغى عليهما نفوذ حليفهما الأقوى، الذي إستجد بعد الحرب العالمية الثانية وهو الولايات المتحدة الأميركية. كما برز النفوذ العربي مع الظاهرة الناصرية في مصر، التي حلت محلها المملكة السعودية، بعد أن تولت زمام النظام الرسمي العربي، إثر تراجع دور مصر بعد توقيعها إتفاقية "كمب ديفيد" مع العدو الصهيوني. وفي كل المراحل لم يكن من الممكن تجاهل الدور السوري في لبنان، باعتبار سورية هي الجار الأقرب وهي الحدود البرية الوحيدة للبنان مع جواره العربي، في ظل إحتلال الصهاينة لفلسطين. إضافة إلى العوامل التاريخية والإجتماعية والإنسانية التي تربط لبنان وسورية وشعبهما الحامل لهوية واحدة، هي الهوية العربية.

وبينما تطرح أسماء من هنا وهناك، لخلافة الرئيس ميشال عون، الذي خاض نصف معركة ضد الترئيس من الخارج. ولم يستكملها بتحرير القرار الوطني من التبعية المالية والإقتصادية. يبرز بين المتنطحين للرئاسة من وضع أوراقه في سلة المملكة السعودية؛ وجعل من نفسه رأس حربة لمشروعها المطالب برأس المقاومة، في سعي السعودية الدائم منذ عقود، للقيام بالوظيفة التي أوكلتها إليها القوى الدولية التي أنشات لها دولتها، بإزالة كل العقبات من أمام مشاريع الإستسلام الأميركية والغربية المفروضة على العرب، لإجبارهم على الخضوع للغزوة الصهيونية التي تحتل فلسطين؛ والقبول بالإنضواء تحت نفوذها المتمدد إلى كل جوارها العربي. 

هذه الورقة الخريفية التي تمسك بها السعودية، يعرفها اللبنانيون جيداً. وهي إعتادت على المراهنات الخاسرة وعلى إطلاق الوعود التي لا تتحقق. ولا يبدو أن أمامها أي فرصة لتحقيق أحلامها الخائبة. فمثالها الأعلى الذي سبقها في مثل هذه الرهانات، فشل في تحقيق حلمه الرئاسي، رغم أنه إستعان بجيش الإحتلال "الإسرائيلي" ليحتل لبنان ويتولى الإشراف على "إنتخابه" في ظل دباباته عام 1982. وعندما تولى شقيقه وراثته في حلمه، دمّر لبنان بحلفه مع الصهاينة في إتفاق 17 ايار، الذي أرغم على التراجع عنه. كما أضطر حليفه "الإسرائيلي" للهروب تحت نيران المقاومين، من معظم الأراضي اللبنانية التي كان يحتلها عام 2000. وما السعي السعودي للتخلص من المقاومة، لتحقيق المطامع "الإسرائيلية" في الأرض والمياه والثروات اللبنانية؛ وفي التوطين والتطبيع، إلا أضغاث أحلام لن تتحقق، حتى لو كان رأس حربتها قائد ميليشيا تعوّد أن يبيع بندقيته حسب المواسم ولمن يدفع أكثر.  

وهناك من يراهن على نفوذ السفيرة الأميركية دوروثي شيا، في تدخلها في كل الشؤون اللبنانية وممارستها دور المندوب السامي، فهي توجه وتأمر أصحاب القرار؛ وتحمي وترعى في الوقت نفسه، الفاسدين الذين جوعوا اللبنانيين وأفقروهم؛ وسرقوا أموالهم وهربوا ما لم يهدروا منها إلى الخارج، كما تمنع محاسبتهم على أفعالهم وتطبيق القوانين بحقهم. 

وسبق للبنان أن جرّب نماذج عن الرؤساء المتأمركين، في حقب ومراحل ماضية، فكانوا رسل فتنة ورموز حرب على جواره العربي وحلفاء مضمرين للعدو الصهيوني، سيكون دورهم إذا قدر لهم أن يحققوا حلمهم، إشهار هذا التحالف مع محتلي فلسطين، إنسجاماً مع هجمة الأنظمة العربية السائرة في ركاب السعودية، في الإعتراف "بإسرائيل" وتطبيع العلاقات معها. 

وبمراجعة ما تعرض له لبنان واللبنانيون خلال السنوات الأخيرة، نجد أن المملكة فعلت كل ما يمكن لها أن تفعله لفرض إرادتها على اللبنانيين وفشلت، بما في ذلك إختطاف رجلها الأول في لبنان في حينه وإعتقاله وإهانته في عاصمتها. ولولا تدخل وضغط أخصامه في لبنان للإفراج عنه، لكان مجهول المصير حتى الآن.

كما أن الإدارات الأميركية المتعاقبة أشرفت على شن الحروب "الإسرائيلية" على لبنان، بتمويل سعودي وخليجي. ومارست سفارتها في عوكر كل أنواع الضغوط على لبنان واللبنانيين، وصولآً إلى تجفيف لبنان من العملات الصعبة وحصاره ومنع أي جهة حليفة لها من مساعدته في أزمته الخانقة، التي تسبب بها أزلام أميركا الفاسدون، المنتشرون في مواقع السلطة في لبنان. ورغم ذلك فإن الفشل ما يزال نصيب هذه السياسة الأميركية. 

وما مرشحو أميركا والسعودية لحكم لبنان إلاّ أوراق خريف، لا حياة فيها ولا مستقبل لها. والأشهر المقبلة التي تفصلنا عن الإستحقاق الرئاسي، ستؤكد أن لبنان ليس ساحة سائبة للسعودية وللولايات المتحدة. فهم إعتمدوا سابقاً على أقوى جيش في الشرق ألأوسط، ليجتاح لبنان حيناً وليقصفه بكل ما وفروه له من أسلحة الدمار، في أحيان أخرى؛ وفشلوا معه في فرض مشيئتهم. 
      
 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل