السعودية تسهم بحصار لبنان وهي المتهمة بتمويل الإرهاب ـ إعداد: أحمد شحادة

الخميس 13 كانون الثاني , 2022 08:13 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

إضافة إلى الأزمات الحادة التي يعانيها لبنان واللبنانيين، سياسياً، واقتصادياً، ومالياً واجتماعياً ومعيشياً، يأتي الحصار السعودي ليزيد الخناق على الناس، و"المكارم" السعودية على "وطن الأرز" ليست جديدة، ففي العام 1964، حينما أراد الملك السعودي الثاني، الملك سعود اللجوء إلى لبنان بعد الانقلاب الذي حصل ضده، وتولي الملك فيص العرش، هددت الرياض لبنان بالويل والثبور وعظائم الأمور، مما حال دون لجوء الملك المعزول الذي توجه إلى اليونان، وقضى فيها، علماً أن من كان يشغل رئاسة الحكومة اللبنانية انئذ هو الحاج حسين العويني الذي كان صديقاً مقرباً جداً من الملك عبد العزيز.

وفي العام 1966، لم يرق للملك فيصل التعاطف الإعلامي والشعبي في لبنان مع الجمهورية العربية المتحدة، وجمال عبد الناصر، فقرر تهديده بموقعه المالي، حيث أسر مسؤولون سعوديون رفيعو المستوى للسلطات الأميركيّة، بحسب تقارير ديبلوماسيّة سرّيّة انئذ، بضلوع أطراف سعوديّة في عمليّة سحب الأموال التي سبقت أزمة "انترا". أحدُ هذه التقارير الأميركيّة تحوي كلامًا منقولًا عن عبد الله بن فيصل، فحواه أنّ الأخير «غاضبٌ جدًّا من موقف الحكومة اللبنانيّة غيرِ الوُدّيّ تجاه السعوديّة،» وأنّه «ينوي اتّخاذَ إجراءاتٍ محدّدةٍ لفرض تغييرٍ» ما، بمساعدة بطريرك لبنان حينها، البطريرك بولس المعوشي، الذي أعلمه أحدُ عاملي السفارة السعوديّة في بيروت بأنّ فيصل أمر بسحب 100 مليون ليرة من بنوك في لبنان، بما فيها بنكُ «إنترا». المعوشي، بدوره، أعرب لمراسل «كريستيان ساينس مونيتور»، جون كولي، عن نيّته بذلَ كلّ ما أوتي من نفوذ لإسقاط حكومة عبد الله اليافي، ولدفــــع رئيس الجمهوريّة شارل حلو إلى تبنّي سياسة أكثر وُديّةً... تجاه السعوديّة والولايات المتحدة، لا تجاه الجمهوريّة العربيّة المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر.


وأسر في حينه مسؤولان سعوديّان رفيعا المستوى إلى السلطات الأميركيّة، على ما جاء في وثيقةٍ أخرى، يُعزّز من فرضيّة سحب الأموال. المسؤول الأول هو الأمير محمد بن فيصل، الذي كان يَشغل انئذ منصبَ مدير مكتب تحلية المياه. فقد قال للمسؤولين الأميركيين في جدّة إنّه أوعز إلى رفاقه بسحب أموالهم من لبنان قبل اندلاع أزمة «إنترا»، وتذمّر من غلاء الأسعار في لبنان؛ وأضاف أنّ اللبنانيين يكسبون على حساب الآخرين، وأنّه لم يعد يريد الإقامة هناك. المسؤول الآخر هو محمد إبراهيم مسعود، مساعدُ وزير الخارجية السعودية انئذ، والذي أقرّ في إحدى الوثائق بأنّ «سحوبات سعوديّة قد حصلتْ، وأنّها على الأرجح ساهمتْ في إغلاق «إنترا».»

الجدير ذكرُه أنّ واشنطن، برغم عدائها للمدّ العروبيّ الناصريّ، حاولتْ ثنيَ الرياض عن استخدام أموالها المستثمَرة في لبنان لمعاقبة الحكومة اللبنانيّة. لقد أدركتْ واشنطن أنّ فشل البنوك اللبنانيّة ليس في الصالح الجيوستراتيجيّ للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، ذلك لأنّ «نظام الاقتصاد اللبنانيّ الحرّ تفنيدٌ حيٌّ لتعاليم الاشتراكيّة العربيّة،» وأيّ اضطرابٍ في الاقتصاد اللبنانيّ سيشجّع كلَّ مَن يدعم هذه الاشتراكيّة ويعادي الولاياتِ المتحدة وحلفاءَها.

إثر هذه التنبيهات، خفّفت الرياضُ من حدّة ادّعاءاتها أنّ السحوبات كانت بدوافعَ سياسيّة. هكذا أعلن المسؤولُ الماليُّ الأوّل في المملكة، أنور علي انئذٍ، أنّ أرقام السحوبات مُبالغٌ فيها، وأنّ الكمَّ الأكبر من السحوبات أموالٌ كويتيّة، وأنّ لوم المملكة نتيجةٌ لإشاعاتٍ «مغرضةٍ وغير مسندة.» والحق أنّ أموالًا كويتيّةً طائلةً سُحبتْ فعلًا من بنك «انترا» قبيْل الأزمة، ونُقلتْ إلى بنوكٍ أميركيّة بعد ارتفاع الفوائد في الولايات المتحدة وقيامِ مدير بنك «تشايس منهاتن» (دايفيد روكفلر) بجولةٍ خليجيّةٍ لجذب هذه الاستثمارات. وهذا يعني أنّ السياسة وحدها لا يمكن أن تفسّر حركة الرساميل تلك، بل توحي أنّ السعوديين سعوْا إلى استثمار ارتفاع تلك الفوائد لتغليب وجهتهم السياسيّة. وقد تكون تلك سياستهم اليوم أيضًا في ظلّ تكاليف حرب اليمن والتقشّف الماليّ للمملكة.

 |    الإرهاب السعودي يدمي لبنان    | 

ولبنان المحاصر سعودياً، مالياً واقتصادياً، أدماه الإرهاب السعودي، ففي عام 1985 من القرن الماضي، كانت مجزرة بئر العبد في الضاحية الجنوبية التي استهدفت السيد محمد حسين فضل الله والتي خطط لها أميركياً ومولت سعودياً بشخص بندر بن سلطان كما كشف الصحافي الأميركي بوب وودورد في كتابه حول الحروب الخفية لوكالة الاستخبارات الأميركية.

بيروت لم تسلم من الإرهاب الدموي خلال السنوات العشر السابقة، هذا فندق دي روي عام 2014 إرهاب سعودي مذخر بالفكر التكفيري يفجر نفسه بعد دخوله عبر المطار بساعات.

السعودي فيصل أكبر من مجموعة ال 13 الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة التي اعترفت باغتيال رفيق الحريري ثم تراجعت عن اعترافها، أوقفت هذه المجموعة بين نهاية العام 2005 ومطلع كانون الثاني 2006.

فيصل أكبر وأسمه الكامل فيصل أسعد هاشم حسين أكبر تم اعتقاله في شقة في عين الرمانة في 31 كانون الأول 2005 على أنه يدعى فهد محمد خادم اليماني قبل أن تظهر حقيقته بأنه صاحب باع طويل في العمل الأمني مستخدماً أسماء وألقاباً وهمية كثيرة للتمويه وهي: طارق وداني، أبو سليمان، عبد الغني، الشيخ، صالح، وفارس.

وفيصل أكبر أنهى دراسته في أصول الدين في جامعة الإمام محمد بن سعود في القصيم، والتحق عام 1999 ببن لادن في أفغانستان.

هذا التكفيري انضم إلى أكثر من 5000 سعودي فجروا أنفسهم في العراق تنفيذاً للأجندة الوهابية في هذه البلد، إضافة إلى آلاف الإرهابيين التكفيريين السعوديين الذين شاركوا في الحرب على سورية، وكان الهدف، طبقاً للمشروع الاميركي - الصهيوني، إسقاط الدولة الوطنية السورية.

وفي شباط عام 2013 اعترف وزير الدفاع الأميركي الأسبق ليون بانيتا بوجود القاعدة في سورية وبكون التفجيرات الانتحارية تحمل بصمتها، لكن اعترافه احتوى على كمية كبيرة من النفاق والدجل السياسي، فهذا الاعتراف ليس الأول من نوعه ، بل جاء إثر سلسلة من التصريحات التي أدلى بها قادة عسكريون وأمنيون كبار في الولايات المتحدة.

ويقول بانيتا إن جماعات القاعدة تستفيد من الفوضى التي تعيشها بعض المناطق السورية وهذه الفوضى هي نتيجة وجود عصابات مسلحة تحتضنها المخابرات الأميركية والغربية وتقيم الحكومة التركية لها قواعد على أراضيها بالقرب من الحدود السورية في حين تجاهر حكومتا السعودية وقطر بتمويلها وتسليحها منذ مطلع العام 2011، وبالتالي، فإن ما تعرضت وتتعرض له سورية هو حصيلة المخطط الأميركي لتدمير قوة سورية وهي نتاج للحضانة الأميركية والغربية التي تحظى بها عصابات مسلحة و واجهات سياسية عميلة تحركها المخابرات الأميركية ، ويحتضنها القادة الأتراك والسعوديون والقطريون وفلول القاعدة تمثل جزءا من هذا الخليط الذي يستهدف حياة السوريين واستقرارهم تحت الرعاية الأميركية. 

 |      "مكرمة" سعودية   | 

المكرمات السعودية تجاه لبنان تجلت في أوائل تشرين الثاني عام 2017، باعتقال رئيس حكومة لبنان سعد الحريري، وإجباره على الاستقالة الطائرة، وقد أوضح وزير الدولة السعودية للشؤون الخارجية ثامر السبهان حقيقة هذا التنكيل بالرئيس الحريري في 6 تشرين الثاني 2017، حيث أعلن أنه سيتمّ التعامل مع الحكومة اللبنانية، كما لو أنها "أعلنت الحرب" على الرياض. وجاء تصريح السبهان بعد يوميْن فقط من استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، مفككاً ظاهرياً حكومته الائتلافية، وتمثل هذه الخطوات والتدابير ضد لبنان، وكأنها لم تعد تميّز بين الحلفاء المحليين والأعداء. ويبدو أن الرياض المستاءة بسبب تنامي نفوذ المقاومة قررت استهداف لبنان بأسره. 

 |    "كبتاغون"     | 

أما بشأن "الكبتاغون" وتهريب المخدرات إلى السعودية فتقدر كلفة إنتاج الحبّة الواحدة من الكبتاغون مع كلفة تهريبها بنحو 85 سنتاً، وتباع في «السوق» السعودية بما يراوح بين 10 و20 دولاراً. مما يسفر عن هامش واسع من الربح يفسّر «استقتال» المهرّبين على إيصال هذه الحبوب إلى حيث الطلب عليها كبير جداً. يكفي أن ينجح «التاجر» في إيصال شحنة واحدة، حتى ولو أُوقفت خمس شحنات أخرى له، ليحقّق ملايين الدولارات. إذ إنّ نسبة الأرباح العالية جداً من عملية ناجحة تُغطي بما لا يُقاس الخسائر المتحققة جراء فشل عدة عمليات تهريب. الاعتبار هنا مالي بحت،خلاف اللبوس السياسي الذي تحاول المملكة العربية السعودية وأخواتها الخليجيات إلباسه لتجار هذه المواد الممنوعة، واستغلال هذه التجارة في تصفية حسابات سياسية مع لبنان، وخصوصاً مع المقاومة، بالتماهي مع اتهامات إسرائيلية وغربية للمقاومة بالتورط في تهريب المخدرات الجريمة المنظمة «واستثمار عائداتها لتمويل أنشطته الإرهابية».التهريب أشبه ما يكون برقصة التانغو: يحتاج إلى راقصَين. فتحوّل لبنان وسوريا (والأردن وتركيا أيضاً) إلى مركز لتصدير الكبتاغون يعني أن هناك أسواقاً ضخمة للاستهلاك. بالتالي، ازدياد الإنتاج وارتفاع عمليات التهريب مرتبطان بارتفاع الطلب في بلدان الاستهلاك. ووصول حبوب الكبتاغون إلى السوق السعودية أو الخليجية يفترض أن هناك تجاراً سعوديين وخليجيين على الطرف الآخر هم من يستلمونها ويتولّون توزيعها. لكن اللافت أن الحكومة السعودية، التي تصبّ جام غضبها على لبنان لدى اكتشاف كل عملية تهريب، لم تكشف يوماً عن أي من التجار الكبار المحليين، باستثناء من تعلن إعدامهم بتهمة الترويج من أبناء الجاليات الهندية والفيليبينية وغيرها. علماً أن توقيف الأمير السعودي عبد المحسن آل سعود («أمير الكبتاغون»)، في مطار بيروت عام 2015 أثناء محاولته تهريب طنين من حبوب الكبتاغون في طائرته الخاصة، مؤشر على الفئة التي ينتمي إليها المنخرطون في هذه التجارة في السعودية.

 |    التطرف يبدأ من السعودية    | 

أخيراً، فإن العلاقة بين الارهاب والسعودية علاقة قديمة ووطيدة ، لن نتوقف عند ملاحقة المعارضين ، والمنتقدين ونشرهم داخل السفارات كالصحافي جمال خاشقجي ، او اختطفاف اخرين ورميهم من الطائرات باوامر ملكية كالمعارض ناصر السعيد الذي خطف من بيروت عام 1979، وفي هذا السياق يقول السياسي البريطاني جيرمي كوبراين ان الحديث عن التطرف يجب ان يبدأ بالسعودية..جملة استعان بها الكاتب مارتين وليام عام 2017 في معرض عرضه الروابط المالية بين السعودية وتنظيم داعش. اما معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى فافرد دراسة مفصلة عام 2014 حول التمويل السعودي لداعش.

وكذلك الوثائق المسربة من البريد الالكتروني لوزيرة الخارجية الاميركية سابقا هيلاري كلينتون تضمنت الكثير من الادلة ايضاً ، ورئيس حملتها الانتخابية جون بوديستها يقول في احدى الرسائل نحن بحاجة للضغط على المملكة العربية السعودية ، التي تقدم دعمًا ماليًا ولوجستيًا سريًا لداعش والجماعات المتطرفة”.

وعام 2009 كانت وثائق ويكيليس حافلة ببرقيات دبلوماسية من الخارجية الأميركية تقول ان المانحين في المملكة العربية السعودية أهم مصدر لتمويل الجماعات الإرهابية. 

يذكر أن صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية كانت قد نشرت تقريراً قبل سنوات من مئة صفحة تحدث عن الرابط المالي بين العائلة المالكة السعودية وتنظيم القاعدة تشرح كيف ان امراء العائلة الحاكمة مولوا هذا التنظيم من خلال جمعيات “خيرية”. احد هؤلاء الامراء كان الملك سلمان بن عبد العزيز الذي تصدر اسمه وصورته الصحف في معرض التباهي بدعم القاعدة. وهو الدعم والتفكير الذي لا يزال في دائرة الاتهام الاميركي بالتخطيط والتدبير لتفجير برجي التجارة العالمي في 11 ايلول 2000.
 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل