الصراع الأميركي-الروسي: عودة الأحلاف ـ عدنان الساحلي

الجمعة 21 كانون الثاني , 2022 11:39 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تتكاثر أسباب الصدام ونقاط الإشتعال حول العالم، في الصراع الأميركي- الروسي والروسي –الأطلسي عموماً، الذي تزايدت شراراته ووصلت إلى أبواب العاصمة الروسية موسكو، من خلال الإصرار الأوروبي والأميركي على ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الذي تعتبره روسيا تهديداً مباشراً لها، باعتباره ليس إختراقاً غربياً لحدود الإتحاد السوفياتي السابق فحسب، بل تهديد للحدود الروسية ذاتها. وما نشاهده هذه الأيام في أكثر من منطقة من العالم، يؤكد أن الحرب الباردة عادت بقوة مع عودة روسيا إلى لعب دورها كزعامة عالمية، بالتحالف مع المتضررين من الدور الأميركي المتسلط على الدول والشعوب، في ممارسته لدور الشرطي والقائد الأوحد والأقوى وصاحب المصلحة المتقدم على سواه.

تبدو روسيا إنطلاقاً مما جرى في جورجيا سابقاً (2008) وصولاً إلى سوريه وأوكرانيا وغيرهما، في موقف دفاعي يتصدى لهجمة أميركية-أطلسية، عملت وتعمل منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1990؛ وانفراط عقد حلف وارسو، على وراثة ذلك الحلف والسيطرة على الدول التي كانت عضوة فيه، مثل تشيكيا وسلوفاكيا (اللتان كانتا تشكّلان دولةً واحدةً هي تشيكوسلوفاكيا)؛ وألمانيا الشرقية (التي التحقت بألمانيا الغربية ضمن الناتو بعد الوحدة)؛ وبلغاريا والمجر وبولندا نفسها، التي حمل الحلف السابق اسم عاصمتها. أو صديقة للحلف مثل سورية والعراق وليبيا وكوبا وغيرها.

بدا واضحاً أن القضاء على بقايا حلف وارسو وتفكيكه تماماً، كانا هدفاً أميركياً وأطلسياً ثابتاً. وهذا ما جرى بوضوح في يوغوسلافيا، التي قسمت إلى دول عدة تم ضمها إلى حلف الأطلسي (الناتو). فبات الحلف المذكور ومعه الجيوش الغربية والأميركية على حدود روسيا.

ويُعتبر "الناتو" أكبر وأقوى تحالفٍ عسكريٍّ في العالم، ينفق 70% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي. وتقدّر ميزانيته السنوية بأكثر من 1.84 مليار دولارٍ أميركي. تبلغ نسبة المشاركة الأميركية فيها 22% متجاوزةً في ذلك إجمالي مساهمة سائر الدول الأعضاء في الحلف.

وتعتبر أزمة أوكرانيا، المشتعلة منذ العام 2014، إحدى أبرز نقاط الصراع الدائر بين المعسكر الغربي ومعسكر آخر يتكون حالياً، لم تتم تسميته بعد، إذ شهدت أزمة أوكرانيا تعقيدات كثيرة، أبرزها تهيوء حكامها الجدد للإنضمام إلى حلف "الناتو"، مقابل مطالبة روسية بضمانات غربية وأميركية لمنع حصول ذلك، لأن "الناتو" هو الذي جاء بأسلحته وصواريخه إلى حدود روسيا. مع مطالبة روسية متكررة بوقف توريد السلاح إلى أوكرانيا. ووقف إستفزاز روسيا ومحاولة حصارها. وترفض روسيا زحف "الأطلسي" نحو حدودها الغربية مع أوكرانيا. وتعتبره ينتهك "خطوطا حمراء"، لا يجوز تجاوزها.

وإذا كان التصدي الروسي للتوسع الغربي-الأطلسي عموماً والأميركي خصوصاً، قد تراجع وتأخر لسنوات، بفعل إنهيار الإتحاد السوفياتي السابق واختفاء حلف وارسو. فإن التدخل الروسي في سوريه وفي كازاخستان مؤخراً، جاءا ليؤكدا جدية الروس في مواجهة اللعب الغربي والأميركي على حدودهم وبمصائر ما تبقى من حلفاء لهم. وكان لافتاً إتهام تركيا وهي عضو في حلف "الناتو"، بالتورط في نقل إرهابيين من "داعش" و"القاعدة" إلى كازاخستان. وتركيا ذاتها تتدخل في سوريه ولها باع طويل في تحريك الإرهابيين السلفيين المذكورين، في كل من سوريه والعراق؛ وهم الذين أقر مسؤولون أميركيين بأنهم هم من صنعوهم.

في سورية تدخلت روسيا في ٣٠ أيلول ٢٠١٥، بناءاً على طلب الرئيس بشار الاسد وموافقة مجلس الاتحاد الروسي، باستخدام القوات الروسية خارج البلاد. وفي كازاخستان، تدخلت القوات الروسية في في السادس من الشهر الحالي، بناءاً على طلب الرئيس توكاييف، بموجب معاهدة طشقند (معاهدة الامن الجماعي بين روسيا وكازاخستان وارمينيا وقيرغيزستان وروسيا البيضاء وازبكستان وطاجيكستان)، الموقعّة في 15-5-1992، التي انبثقت عنها منظمة معاهدة الامن الجماعي في عام ٢٠٠٢. واسّسَ هذا التكتل الاسيوي، عام ٢٠٠٩، قوة ردع سريع قوامها ٢٠ الف مقاتل غالبيتهم من الجيش الروسي. وقوة حفظ سلام وعديدها ٣٦٠٠ مقاتل. وهذه المنظمه اشبّه بناتو مصغّر. وكانت عملية ردع التدخل الخارجي الداعم لتمرد داخلي في كازاخستان، سريعة جداً استلزمت عشرة أيام، إنسحبت بعدها قوات "حفظ السلام" الروسية. ولعل في ذلك رسالة روسية للغرب بأنها لا تطمع بالتوسع على حدود غيرها، بما يشكل رداً على الإتهامات بوجود نية روسية لغزو أوكرانيا.

ولا يمكن عزل ما يجري في أوروبا الشرقية عما يشهده بقية العالم، من "الهروب" الأميركي من أفغانستان، إلى الصراع الأميركي-الصيني، المغلف بستار إقتصادي، لكنه المؤهل للحماوة بفعل الحماية الأميركية لإنشقاق تايوان عن البر الصيني الأم. وصولاً إلى الصدام الأميركي-الإيراني المستمر منذ أكثر من أربعين عاما. وكذلك مساعي المصالحة الوطنية في افغانستان. ولا ننسى تأثر لبنان بالحصار الأميركي عليه، لإجباره على القبول بالأطماع التوسعية "الإسرائيلية" في أرضه ومياهه وثروته النفطية. وكذلك لتشريع توطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين.

كل ذلك، أعاد العالم عقوداً من الزمن إلى الخلف، إلى صراعات الأحلاف. وها هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يدعو "إلى تأسيس نظام أمني في أوروبا مع حلف شمال الأطلسي لمواجهة روسيا".

بالمقابل، زار الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي روسيا؛ وقال أن العلاقات معها ستتطور الى استراتيجية. وتضمّنت كلمته فيها ثلاثة عناوينَ: عنوان عسكريّ بحديثه عن تعاون البلدين في سورية، الذي "ساعد دمشق على تجاوز التهديدات الإرهابية". والثاني سياسيٌّ، يتضمّن الملفات الدولية الساخنة. والثالث اقتصاديٌّ يشمل إنشاء مناطق تجارةٍ حُرّة بين البلدين. وسط حديث الإعلام الإيراني بإنَّ "الشراكة بين إيران وروسيا أوصلت موسكو إلى المحيطات والبحار". وأنَّ "مذكرة التفاهم بين إيران وروسيا ستتحول إلى اتفاقيةٍ استراتيجيةٍ لمدة 20 عاماً". إضافة إلى التاكيد على "وجود تنسيقٌ بين إيران وروسيا والصين، لإيجادِ جبهةٍ جديدةٍ في مواجهة الولايات المتحدة". فروسيا كما إيران تعانيان من العقوبات الأميركية الإقتصادية عليهما. وروسيا ترغب في التخلص من حالة "أحادي القطب" التي يفرضها الأميركي. وهي تساعد طهران من حين لآخر في الإلتفاف على العقوبات الغربية وهو ما تسعى إليه إيران في محادثات "فيينا" لإحياء الإتفاق النووي الذي تراجعت عنه إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. 

والجديد أيضاً في هذا المضمار، المناورات البحرية المقررة بين روسيا وإيران والصين في بحر عمان، التي تؤكد إنَّ الكرملين يبدو مُصمّمًا على توجيه رسالةٍ بأنَّه سيُنشئ علاقات جديدة في مواجهة الغرب. وأنَّ إيران هي الأخرى توجِّه رسائل أنَّ لديها بدائل في حال عدم رفع العقوبات الغربية . 

وفي السياق يأتي إعلان وزارة الدفاع الروسية، في بيان لها، أنها ستُجري، في شهري كانون الثاني الحالي وشباط المقبل، مناورات بحرية ضخمة في جميع مجالات مسؤولية الأساطيل، بمشاركة أكثر من 140 سفينة حربية وسفن الدعم؛ وأكثر من 60 طائرة؛ وألف قطعة من المعدات العسكرية؛ ونحو 10 آلاف جندي. ووفق البيان، ستجري المناورات في المحيطين الأطلسي والهادئ والمحيط المتجمد الشمالي والبحر الأبيض المتوسط

أما الرئيس الأميركي جو بايدن، فيبدو متردداً في التورط بحرب جديدة خارج أميركا. ويعتبر أنّ "غزو أوكرانيا من قبل روسيا سيرتب عواقب وخيمة على روسيا، على المدى القصير والمتوسط والطويل". وأنّ "روسيا ستتكبد خسائر بشرية كبيرة في حال غزت أوكرانيا، بعد الدعم العسكري الذي قدم لكييف". معرباً عن اعتقاده أنّ نظيره الروسي "فلاديمير بوتين لا يريد حرباً واسعة النطاق". 

هي إذا حالة اللاحرب مع إستمرار التوتر. وهي حرب باردة يستقوي فيها كل طرف بحلفاء له، أو يقيم أحلافاً تعوض له خسارة حلفاء آخرين.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل