الدراما الفلسطينية تتصدّى للرواية الصهيونية

الإثنين 04 نيسان , 2022 12:47 توقيت بيروت ثقافة

الثبات ـ ثقافة

بعد التقدّم الذي شهدته في الأعوام الأخيرة رغم ضعف الإمكانات، يرفع صنّاع الدراما في غزة شعار «لا عودة إلى الوراء» مع مسلسلين جديدين يُعرضان في الموسم الرمضاني الحالي. عملان يتصديان للمحاولات الفنية، الصهيونية، في شيطنة الشعب الفلسطيني وتشويه نضالاته وتضحياته واستهداف منظومته القيميّة والاجتماعيّة

وسط انشغال فريق مسلسل «ميلاد الفجر» (كتابة زكريا أبو غالي ــ إخراج حسام أبو دان ـ إنتاج «ميدل تاون») بالتحضير لإنجاز جزء ثانٍ من العمل الذي تناول في جزئه الأوّل حقبة الثمانينيات في قطاع غزة وما تخلّلتها من عمليات أربكت المحتل ومن بينها «الهروب الكبير» لستة أسرى من سجن غزّة المركزي،

جاء انتزاع ستة أسرى جدد حريتهم من سجن جلبوع في أيلول الفائت في حادثة باتت أشبه بأساطير العصر الحديث، ليقلب المشهد تماماً. هكذا، فرضت العملية البطولية تأجيل «ميلاد الفجر ٢» لصالح عمل جديد يواكب «الحدث المُعجزة» بحسب وصف أبو غالي.

يروي أبو غالي أن فريق العمل تجاوز العائق الأبرز الذي تمثّل في ضيق الوقت بين أيلول والموسم الرمضاني الحالي، عبر إسناد كتابة الحلقات إلى كاتبَين (أبو غالي ومحمود منصور) باشرا فور حصول الحادثة في البحث عن كل خبر أو معلومة أو تفصيل يمكن أن يساعد في نقل رواية فلسطينيّة خالصة للحدث الذي خرج إلى العالم برواية الاحتلال وحده. تحقّق ذلك عن طريق مصادر دقيقة وقريبة من أسرى جلبوع وذويهم. هكذا، خرج مسلسل «شارة نصر جلبوع» في قالب درامي مشوّق، متضمّناً التفاصيل الكاملة لكيفيّة حفر النفق وإخفائه. كما أنّه يسلّط الضوء على ما تبع ذلك من متابعة وملاحقة لهم من أجهزة الأمن الإسرائيلية وصولاً إلى اعتقالهم من جديد بعدما نجحوا في إذلال المحتل وكسر هيبته وكشف هشاشة منظومته الأمنيّة.

من مسلسل «شارة نصر جلبوع»


يتجاوز العمل ــ بحسب ما ينقل أبو غالي، حكاية الأسرى الستة (ورفاقهم الخمسة الذين شاركوا في التخطيط والتنفيذ، لكنهم آثروا إفساح المجال أمام أصحاب الأحكام المؤبدة كون الغرفة لا تتسع لأكثر من ستة) إلى تقديم صورة شاملة عن معاناة الأسرى بأوجهها المختلفة: من الإهمال الطبّي الذي يصل إلى حدّ القتل المتعمّد، إلى سياسة التعذيب النفسي والجسدي في فترة التحقيق، مروراً بمساومة الأسرى على أبسط حقوقهم واحتياجاتهم من خلال حرمانهم من الزيارات ومن الاتصال بذويهم وغير ذلك. كذلك، يعالج المسلسل قضية حق الأسرى بالإنجاب من خلال ما عرف بـ «النطف المحرّرة» وكيفية شرعنة هذا الأمر اجتماعياً وسياسياً ودينياً وقانونياً، ليشكّل تحدياً صارخاً للاحتلال وتحطيماً معنوياً لقيوده وقضبان سجونه، وترسيخاً لحقّ الأسرى في أن يكون لهم أسرةٌ وأبناء هم بمثابة «سفراء للحرية». من خلال القصّة الإنسانيّة المشوّقة والمؤثرة للأسير حاتم وزوجته خلود، نكتشف كيف ظهرت الفكرة بدايةً، لتتقاطع مع قصّة عميد الأسرى اللبنانيين الشهيد سمير القنطار الذي تحضر عبره في العمل قضيّة الأسرى العرب في سجون العدو. ويتوقّف أبو غالي عند المحاولات المستمرّة لشيطنة الشعب الفلسطيني وتشويه نضالاته وتضحياته واستهداف منظومته القيميّة والاجتماعيّة عن طريق أعمال فنيّة مشبوهة ومسمومة يصنعها عرب وفلسطينيّون ومنها فيلم «صالون هدى» (إخراج هاني أبو أسعد) الذي قدّم الأسرة الفلسطينيّة ممزّقة مشتّتة تعيش مشكلات كبيرة حيث يتشارك الأزواج والمقاومة اضطهاد الزوجات حتى لا يجدن إلا الاحتلال سنداً والتعامل معه طريقاً للخلاص! كما يشير إلى فيلم «أميرة» (إخراج محمد دياب) الذي تولى تشويه صورة الأسرى تحديداً والتعدّي على حقهم في الإنجاب عن طريق جعل النطفة المحرّرة في الفيلم لضابط إسرائيلي! وقبلهما «الجنة الآن» (هاني أبو أسعد) الذي يزعم أنّ مشكلات أسريّة وأزمات نفسيّة هي ما يدفع الاستشهاديين إلى تنفيذ عمليّاتهم البطوليّة للتخلص من واقعهم البائس! ويرى أبو غالي أنّ الردّ على هذه الأعمال لا يكون فقط ببيانات الاستنكار، بل بإنتاج أعمال فنيّة تعبّر عن نبض الشعب الفلسطيني وتنقل روايته الحقيقيّة التي تستحقّ الخروج إلى العالم، مضيفاً أنّ «شارة نصر جلبوع» ليس سوى خطوة على هذا الطريق.

 

ويكشف أبو غالي أنّ اختلاف معظم بيئة قطاع غزة جغرافياً عن الضفة الغربية والداخل المحتل، دفع المخرج حسام أبو دان إلى اختيار مواقع تصوير شرق القطاع بمحاذاة الحدود مع الأراضي المحتلة ما أدّى إلى مواجهة صعوبات عديدة من بينها التحليق المستمر لطائرات التجسّس المسيّرة التي شوَّشت على التصوير، وتسبَّبت تارةً في إعادة اللقطات وطوراً بتأجيل التصوير. كما أنَّ سعي صنّاع العمل إلى أكبر قدر من التماهي مع الواقع على الصعد كافةً، تجلّى في إنشاء سجن يشبه إلى حدّ كبير سجن جلبوع ومصلحة السجون الإسرائيليّة في وقت قصير جداً.


ويؤكد أنَّ اختيار الممثلين وتوزيع الأدوار عليهم تمّا بعناية شديدة مع مراعاة قدراتهم الأدائيَّة من جهة، ومدى تشابه مظهرهم الخارجي مع الشخصيّات الحقيقيّة من جهة ثانية، فكان علي نسمان في دور محمود العارضة، ومحمد خروات في دور أيهم كممجي، ولؤي نجم في دور محمد العارضة، وحسن النجّار في دور يعقوب القادري، وإياد البلبيسي في دور زكريا الزبيدي، ومهند قاسم في دور مناضل انفيعات. وإلى جانب هؤلاء شارك في العمل عدد كبير من نخبة الممثلين في قطاع غزة.

العمل الذي أنتجته قناة «القدس اليوم» الفضائية و«ميدل تاون للخدمات الإعلامية» يُعرَض في شهر الصوم على عدد كبير من الفضائيّات العربية أبرزها: «القدس اليوم»، «فلسطين اليوم»، «المنار»، «الإيمان»، «العالم سوريا»، «المسيرة»، «الاتحاد»، و«بلادي».

 «قبضة الأحرار»: تجسّس و«شاباك» ومستعربون


إلى جانب «شارة نصر جلبوع»، يبرز مسلسل «قبضة الأحرار» (كتابة فارس عبد الحميد بمعاونة تسنيم المحروق ـــ إخراج محمد خليفة بمشاركة حسام أبو دان ــــ إنتاج دائرة الإنتاج الفني).

من «قبضة الأحرار»


العمل من بطولة رشاد أبو سخيلة، وأحمد فياض، وغسان سالم، وحامد حسونة، ورائد قنديل، وجواد حرودة، وزهير البلبيسي، وحسن الخطيب، وصفاء حسني، ونيفين زيارة، ورائدة أبو دية، وميرفت محمود، وضياء بارود، وأحمد النجار. وفق أحد أبطاله غسان سالم، فإنّ المسلسل عمل أمني استخباراتي بامتياز تتخلّله بعض الخطوط الاجتماعية ويتناول المحاولات الإسرائيليَّة الحديثة لاختراق قطاع غزة عن طريق تسلل بعض المستعربين وعملاء جهاز «الشاباك» الصهيوني إلى القطاع لتنفيذ مهام متنوعة من اغتيالات وتعقّب وتجسّس. ويعرض المسلسل جهود المقاومة الدؤوبة في مواجهة هذه المحاولات، والمستندة إلى هيكليّة منظّمة وفدائيّة عالية تظهّران حرص المقاومة على سلامة الأمن الداخلي في مناطقها وحماية أهلها. إذ تنجح في كشف عدد كبير من المخطّطات قبل تنفيذها في أماكن مختلفة وأوقات متفاوتة. ويأتي المسلسل أيضاً ردّاً على مسلسل «فوضى» الإسرائيلي («نتفليكس) الذي يخدم نظام الاستعمار الصهيوني، من خلال ترويجه للجرائم الذي يقترفها «المستعربون» في جيش الاحتلال. يؤكّد سالم في حديثه مع «الأخبار» أنَّ صنّاع العمل كانوا حريصين تماماً على احترام عقل المشاهد لجهة مراعاة القدرات الحقيقيّة للمقاومة في قطاع غزة وإمكاناتها الموجودة على الأرض عند تظهير هذا الواقع ضمن المسلسل، بعيداً عن أيّ مبالغات فانتازيّة أو أحداث غير منطقيّة على طريقة حكايات الأبطال الخارقين. إذ يتعرّض «جنود الظل» الأمنيّون في المقاومة إلى أخطار حقيقيّة من خلال استهدافهم بالعبوات الناسفة والأجسام المشبوهة والطائرات المسيّرة ويسقط بعضهم شهداء على مدار الحلقات الثلاثين بينما يتابع الآخرون الطريق.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل