لا سيادة لدولة غير منتجة ..وبلا رغيف!

الإثنين 02 أيار , 2022 07:14 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

على نيّة الانتخابات النيابية المقبلة ،يتبارى فريق من المرشحين والأحزاب اللبنانية بقصائد السيادة والاستقلال، وبصورة صارت مملة للرأي العام اللبناني الذي يعرف جيدا “البير وغطاه” في هذا المجال.فبلدنا صغير جدا والناس تعرف بعضها جيدا ،وبالتالي لم يفت تاريخ طويل على سِيَر وملفات الطبقة السياسية،سواء الحاكمة وغير الحاكمة،أوتلك المستجدة على الحياة السياسية.

ويلفت نظر الناس في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان ،والبالغة حد الإنهيار، أن معظم هؤلاء “السياديين”، ينسون أو يتناسون الهموم الاجتماعية والاقتصادية في برامجهم وخطبهم الانتخابية،ويركزون على موضوع السيادة ،فيما المقصود والهدف من وراء ذلك بات معروفا ومكشوفا ،وينال من خصم واحد يدير لهم “الأذن الطرشاء” لأنه واثق الخطوة في بيئته وجمهوره.

وبعيدا عن قصائد السيادة والاستقلال التي تنظمها الأحزاب والقوى والشخصيا ت اللبنانية، والتي قلّ أن يكون أحدها خارج التبعية والارتباط الخارجي ،ثمة حقيقة يُفترض أن يدركها الجميع ،وهي أن السيادة ليست مرتبطة بالرغبة والنية والخطب الرنانة ،بقدر ماهي متصلة اتصالا وثيقا بالقدرة والإمكانية والإنتاج ،بمعنى أن الدول غير المنتجة لا يمكن أن تتمتع بالسيادة ولا بالاستقلال. والمصيبة إن كان هؤلاء يدرون ذلك ،والمصيبة الأكبر إن كانوا لا يدرون.

يحضرني دائما بعض من الخطاب التاريخي للزعيم الهندي جواهر لال نهرو في المؤتمر الأول لدول عدم الانحياز في باندونغ، حيث توجه نهرو الى المشاركين الذين كانوا قد أتحفوا المؤتمر بقصائد الشعر والنثر عن السيادة والاستقلال الذي كانوا قد حققوه لتوهم وخرج الاستعمار من ديارهم.

  قال نهرو: “إن مستعمريكم السابقين رتبوا أنفسهم قبل أن يوافقوا على الاستقلال عن الاستعمار، وأقاموا اوضاعاً جديدة تستبدل أعلامهم القديمة بأعلامكم الجديدة، ولكن هل سيغير هذا من واقع الأمر شيئاً؟ سوف تجدون أنفسكم أمام مشاكل، وسوف يندفع بعضكم الى أن يطلب من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي قُروضاً، فهل سألتم أنفسكم من هم هؤلاء الذين يسيطرون على صندوق النقد الدولي وعلى البنك الدولي؟ انهم نفس جلاديكم السابقين، وأخشى أن اقول لكم انكم سوف تذهبون الى الأسياد القدامى طالبين منهم أن يساعدوكم على مسؤولية الاستقلال. وأي وضع هذا الذي تستنجد فيه الضحية بالجاني حتى يساعدها على تلافي آثار جريمته؟ ان جريمة الاستعمار لن تصححها قروضه، بل سوف تزيدها سوءاً”.

كان نهرو يسأل بصراحة عن القطاعات المنتجة في الدول المستقلة حديثا ،كي تتحقق السيادة من خلال ذلك.وقبل نهرو كان المفكر اللبناني جبران خليل جبران يقول:”ويل لأمة تأكل مما لا تزرع ،وتلبس مما لا تنسج”.وأحرى بلبنان أن يتعظ من هذه العبر،وهو يلهث وراء صندوق النقد من أجل بضعة مليارات يخشى أن تذهب هباء .

ولعل في الحرب الأوكرانية الدائرة عبرة لمن يعتبر.فقد اهتز الأمن الغذائي في الدول غير المنتجة للمواد المستوردة من بلاد الروس والأوكران،ووعت هذه الدول على حقيقة تقصيرها في إنتاج استهلاكها من هذه المواد،خاصة دول الشرق الأوسط وإفريقيا،وتبين للعالم مرة جديدة أن حبة القمح أكثر أهمية من براميل النفط.وليس سرا أن الحرف الأول في تحقيق السيادة هو تطوير وتعزيز القطاع الزراعي بكل حيثياته، لأنه المدخل إلى رؤية إقتصادية سليمة،وهو ما لم يلتفت إليه لبنان ونظامه الذي يبدو واضحا أنه يحتقر الزراعة والمزارعين، بدليل أن الموازنة السنوية وزارة الزراعة اللبنانية غالبا ما تدعو إلى السخرية.  

قياسا على ما تقدم ،ليست السيادة قصيدة ولا منظومة من الشعر ولا أغنية تطرب لها الأسماع.حتى القصائد والأغنيات الراقية تصبح مملة عندما يكثر تردادها.

وبالمختصر المفيد : لا سيادة بلا رغيف!!

 

 واصف عواضة ـ الحوار نيوز

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل