الأمانة كنز الطائعين ... سماحة الشيخ الدكتور عبد الناصر جبري رضوان الله عليه

الجمعة 03 حزيران , 2022 01:51 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات

ليس من الصعب أن تكون شيخاً، إلا أن الصعوبة تكمن في كونك قادراً على أن تكون مربياً، مرشداً، ومعلماً، كذاك في مؤسستك الخاصة، ليس من السهل أن تكون مديراً، تدير كل العاملين في قطاعك الإنتاجي دون خبرة وطريقة عمل إدارية مارستها أو عُلمتها من قبل؛ لهذا حرص علينا الشيخ عبد الناصر جيداً كطلاب علم أن نكون إداريين، رياديين قادرين على حمل المسؤولية في قطاع العمل الإداري، حيث كان يصطحبنا معه طيلة عمله الإداري والسياسي، لقاءات ومؤتمرات، اجتماعات جامعية وأكاديمية، يجمع الرأي فيما بيننا، وهذا كله لنتعلم كيف تصنع العلاقات، وكيف يعامل الآخر، وكل حسب صفته وما يمثل، دون الخدش بسمعة أي أحد، أو الحط من موقعه، مأدباً إيانا بطريقة علمية تربوية دون زجر أو توبيخ كما يفعل البعض.

هذا كله يأتي من باب أتقان العمل، والحفاظ على الأمانات والذمم، فالمؤسسة وإن كانت من حر مالك إلا أنها أمانة شرعية تسأل عنها يوم القيامة، وهذا جاء بعد دراسة سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم علم صحابته وآل بيته طرق القيادة السليمة الصحيحة، وحافظ على الدولة مؤتمناً عليها، نشر الدين الحنيف شرقاً وغرباً.

الأمانة ثقيلة، وللشيخ جبري عبارة مشهورة بين طلابه: "هذا مال وقف فحافظوا عليه، ومال الوقف يهدم السقف"، غادرنا وهو يردد هذه العبارة، داعياً إيانا وموصي بالأمانة، استجابة لآيات في كتاب الله سبحانه وتعالى وأحاديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم. ابتدأ الله سبحانه وتعالى الأمانة بالتسجيل والتوثيق، معلماً إيانا كيفية حفظها واستذكارها، وهذا كي لا تراود أي شخص نفسه في أكل مال الغير، فقال الله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} سورة البقرة/الآية 282.

الأمانة أمر عظيم ورد في قوله تعالى بصيغة أمر لا استحباب، لتدخل في الواجبات الشرعية الواقعة على عاتق المؤمن، فقال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} سورة النساء/الآية 58.

صفات المؤمن واضحة جلية، وإذا كنت تريد أن تكون من عباده الصالحين فاتبع قوله تعالى وإياك والخداع فالله يعلم ما تخفي الصدور، وكن ممن قال الله سبحانه وتعالى فيهم: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* وْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} سورة "المؤمنون"/الآية 8-11، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ* وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ} سورة المعارج/الآية 32-35.

الخيانة أمر مذموم بالنص القرآني، خيانة البيت والأسرة والعمل والذمة والقلب والنفس وكل أمور حياتك، أنت مؤتمن على كل ما أعطاك الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى محذراً من الخيانة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة الأنفال/الآية 27.

الأمانة ثقيلة لا يحملها إلا أهلها، وقد عرضت على السماوات والأرض والجبال فلم يحملنها، وحملها الإنسان، فمن أداها كما أمره الله تعالى فاز ونجا، ومن خانها وقع بمعصية الله تعالى، قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} سورة الأحزاب/الآية 72.

وقد وردت أحاديث كثيرة تتحدث عن أهمية الأمانة وضرورة الحفاظ عليها:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في جلس يُحَدِّثُ الْقَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟. فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يسمع. حتى إذ قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: (أَيْنَ - أُرَاهُ - السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ).

قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قال: (فإذا ضعيت الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ)، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: (‌إِذَا ‌وُسِّدَ ‌الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ الساعة). قال: حَدَّثَنَا ‌أَبُو دَاوُدَ ، قَالَ: حَدَّثَنَا ‌الْمَسْعُودِيُّ ، ‌وَقَيْسٌ ، عَنِ ‌الْأَعْمَشِ ، عَنْ ‌زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ ، قَالَ: قَالَ ‌حُذَيْفَةُ : «حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ، قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ; حَدَّثَنَا: إِنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي ‌جَذْرِ ‌قُلُوبِ ‌الرِّجَالِ، فَعَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ، ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فِيكُمْ، فَيُنْكَتُ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا فِي جَوْفِهِ كَالْمَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا، لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ لَيْسَ فِيهِمْ أَمِينٌ، وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي مَنْ بَايَعْتُ مِنْكُمْ، فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ إِسْلَامُهُ، وَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وَلَقَدْ أَصْبَحْتُ فِيكُمْ مَا أُبَايِعُ مِنْكُمْ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُقَالُ لِلرَّجُلِ فِيهِ: مَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَعْقَلَهُ، وَمَا فِي قَلْبِهِ مِنَ الْإِيمَانِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ».

قال: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ الثَّقَفِيُّ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "‌لَا ‌إِيمَانَ ‌لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ".

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل