إنقاذ الرئاسة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 12 آب , 2022 12:28 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يشكل إنشغال اللبنانيين بالتشاؤم المستجد في مسألة ترسيم الحدود البحرية مع العدو "الإسرائيلي"، فرصة لمطابخ إنتاج رؤساء الجمهورية اللبنانية، في الخارج والداخل، لتأخذ المزيد من الوقت في تركيب الصفقات وعقد التفاهمات وصولاً إلى تقديم رئيس للجمهورية، آخر من يؤثر في إختياره هو الشعب اللبناني.
فمنذ  إنشاء منصب رئيس الجمهورية للمرة الأولى أثناء الانتداب الفرنسي على لبنان عام 1926، لم يعرف لبنان إلا المفاجآت كل ست سنوات، يباغت في كل منها الناس بإسم وشخص، ربما لم يخطر على بال أحد منهم، أو أنه ليس متقدماً على غيره، فيجلس على كرسي الرئاسة من دون أي إعتبار لرأي الشعب، أو لمطالبه وأولوياته.
هكذا جرى مع الرؤساء الأوائل، الذين كانت تعينهم سلطة المستعمر الفرنسي. ثم تحول الأمر إلى "إنتخاب" الرئيس من قبل مجلس النواب، المشكّل من أتباع الطرفين الدوليين المتصارعين في ذلك الزمن: فرنسا وبريطانيا. وكان الصراع بين "الدستوريين" و"الكتلويين" هو التعبير عن تنافس تلك الدولتين على إدارة شؤون لبنان والمنطقة، بعد أن قامتا بتقسيمها دويلات ومناطق نفوذ، رسمت حدودها أقلام الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس عام 1916.
 لم يكن يخطر على بال معظم اللبنانيين إسماء مثل: شارل دباس ولا أيوب ثابت أو حبيب باشا السعد أو الفرد نقاش أو بترو طراد، كان الخارج الأجنبي، هو صاحب القرار في إختيار هكذا أسماء ليكونوا رؤساء على اللبنانيين. وكان مجلس النواب وما يزال، مسرح تمثيل وإخراج القرار الأجنبي. فمجلس النواب كما يعرف كل اللبنانيين، حالة معلبة تتحكم في تشكيلها إعتبارات كثيرة، ليس أقلها عنصر المال والعصبيات وتدخل السفارات وحملات الإعلام. وكثير من اللبنانيين واصحاب الرأي، يشككون بشرعية إنتخاب القسم الأكبر من النواب. والتأثير الخارجي على قرار وتوجهات 99 أو 128 نائباً، أسهل بكثير من التحكم بالتصويت المباشر لعدة ملايين من المقترعين. ولا ننسى عنصر المفاجأة في الأحداث التي تسبق الإنتخابات الرئاسية، حيث تتم صفقات وتفاهمات من تحت الطاولة، لا يشارك فيها المواطنون ولا يعرفون ماذا جرى فيها ولا الأثمان التي دفعت للوصول إليها.
 هكذا، ما كان لفؤاد شهاب أن يصبح رئيساً لولا الثورة التي قامت ضد حكم كميل شمعون، فكان وقوف الجيش على الحياد بقيادة شهاب، مناسبة لإختياره الفجائي رئيساً بتوافق خارجي، بين الولايات المتحدة الأميركية ومصر جمال عبد الناصر. وعندما إنتخب شارل حلو خليفة لشهاب، كان رصيده الأساس أنه يعبّر عن الحالة الشهابية التي كانت تمسك بمقاليد السلطة حينذاك، باعتبارها تشكل تقاطعاً بين النفوذ الإقليمي العربي والدولي الأميركي. وعندما إنتخب الرئيس الوسطي سليمان فرنجية عام 1970، كان ذلك محطة إنتقالية بقرار أميركي للتخلص من بقايا الشهابية ومطاردة رموزها، تحضيراً للحرب الأهلية التي نظّر لها وزير الخارجية الأميركية حينها هنري كيسينغر؛ وكانت مقدمة للإجتياح "الإسرائيلي" عام 1982، الذي أوصل على ظهر دباباته للرئاسة، مرشح الولايات المتحدة و"إسرائيل" والسعودية بشير الجميل. ولولا الوجود العسكري السوري في لبنان، لما سمح النفوذ الأميركي والمال السعودي لإميل لحود بأن يدخل قصر بعبدا رئيساً عام 1998. وكذلك لولا أحداث 5 أيار 2008 التي أنتجت ردة فعل 7 أيار، التي عولجت بمؤتمر الدوحة، لما قيض لميشال سليمان أن يصبح رئيساً.
هكذا، يتبين لكل ذي بصيرة، أن مجلس النواب ليس سوى أداة إخراج لمسرحية إنتخاب الرئيس، فيما المؤلف وكاتب السيناريو والمنتج خارجه، بل خارج لبنان بالكامل. وربما هي مرة واحدة يتيمة، يفرض فيها طرف لبناني خياره في تسمية رئيس الجمهورية، هي إصرار حزب الله على إختيار العماد ميشال عون رئيساً، ليس لأنه حليفه فقط، بل لأنه كان الشخصية المارونية الأقوى والأكثر تمثيلا شعبياً من سواه. وهو أمر لم تهدأ ردود الفعل السلبية عليه حتى اليوم.
واللافت، الذي يتجنب كثيرون التحدث عنه، هو غياب صوت رئيس الجمهورية تجاه أحداث كثيرة. وتهميش دوره في استحقاقات هامة، لأن صلاحيات الرئيس ياخذها من المحاصصة الطائفية القائمة. وأحد أسباب تعقد الأزمات حالياً، هو غياب دور وصلاحيات رئيس الجمهورية التي تتيح له أن يكون حكماً بين السلطات. والأمر الطبيعي أن تكون للرئاسة دورها وصلاحياتها، شرط أن يكون الرئيس رئيساً لكل لبنان وليس لفئة أو طائفة. فيتم إنتخاب الرئيس من الشعب مباشرة. وتنقذ الرئاسة من التعليب الذي يمثله مجلس النواب في مسرحية الإنتخاب. وتتعطل أدوات التدخل الخارجي والفرض وشراء الذمم بين النواب والفاعليات. ويشعر اللبناني أنه صاحب القرار في اختيار رئيسه. والأهم، أن إعادة القرار للشعب يمنع الإتيان برئيس مجهول وبشكل فجائي. بل يجري إنتخابه على أساس برنامج واضح والتزامات تجاه الشعب وليس تجاه السفارات. وهي خطوة لا بد منها حتى لا تستمر مسيرة إنهيار وإضعاف الدولة بكل مؤسساتها بدءاً من رئاسة الجمهورية.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل