الصراع الروسي ـ الغربي.. الجوهر الثقافي ـ يونس عودة

الثلاثاء 04 تشرين الأول , 2022 08:31 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

دخل الصراع الروسي – الأطلسي ذروة هي الأعلى في رسم صورة مستقبل البشرية السياسي وتحقيق الوجود الفعلي، بحيث لم يتوانَ الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة عن استخدام "المحرمات" التي تضر بالبشرية، وبأبشع الصور حتى لو كان حلفاء اميركا نفسها هم حطب غرائز التوحش الأميركي.

لقد استخدمت الولايات المتحدة كل أنواع العقوبات ضد روسيا بذريعة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وحاولت تجنيد كل دول العالم لمجاراتها، ونجحت من خلال الضغط، والتهديد حتى لحلفائها، في سوق العديد من الدول، ولاسيما الدول الأوروبية التي انصاع غالبيهم لمشيئة واشنطن رغم ان تلك الدول كانت الأكثر تضررا على المستوى السياسي، بحيث كشفت عن نفسها انها مجرد بيادق، كما على مستوى تشويه الديمقراطية التي يتباهون بها، لكن الأخطر تمثل بالمخاطرة بحياة شعوبهم مع إدراكهم الكامل بان ما يرتكبونه من الخطايا التي لا تغتفر، لانهم فعلا يغامرون بحياة مواطنيهم بسبب مساهمتهم الدنيئة في تعطيل سلاسل التوريد الغذائي والنفطي والغازي. بالتوازي مع محاولة فرض سقف لأسعار النفط المستقدم من روسيا، بعد ان فشلت الولايات المتحدة في تطويع كل الدول المستوردة، وهذا دليل فاجر يدل على أن الغرب الاستعماري يشن هجومه الاقتصادي ضد روسيا من أجل خفض دخل موارد الطاقة لروسيا بشكل كبير، وان ذلك سيجعلها تتراجع عن الأهداف التي تريد تحقيقها جراء سياسة فاشيي أوكرانيا، وارتماء هؤلاء في أحضان الغرب الشريرة.  

لقد جاءت عملية التفجير الموضعية لخط السيل الشمالي لتزيد الازمة باتجاه مأساوي، ووقع التفجير في المنطقة الاقتصادية الخالصة للدنمارك جنوب شرق بورنهولم، حيث حصل تسرب للغاز بالقرب من جزيرة بورنهولم.

وتشير أصابع الاتهام الى ان الولايات المتحدة هي من يقف وراء العمل المغامر والمخزي، ولم تكن المواقف الاوروبية الا أكثر خزيا رغم ان الشعوب الأوروبية هي أكثر من سيدفع الاثمان مع تقلص امدادات الطاقة التي طالما أبدت روسيا حرصها على تدفقها، وتشغيل السيل الشمالي -2-كي لا يموت الأوروبيون صقيعا. وهو مسار جاهز كي يتم ضخ الغاز عبره لكن لن يتم ذلك بعد أن تخلت ألمانيا عن المشروع وأوقفت إجراءات المصادقة. جراء الضغوط الأميركية الهائلة.   

صحيح ان نتائج التحقيق لم تظهر بعد، ولم يعلن المعتدي عن نفسه، ولن يعلن، ويبدو ان تحقيقات عدة تجري في هذا السياق، ومن ضمن الدول التي تقوم بتحقيق هي روسيا المستهدفة مع انفتاحها على إجراء تحقيق مشترك، لكن على ما يبدو فإن المجرم لن يتعاون مع التحقيق، ويحاول توجيه لكمات في أمكنة أخرى لتضييع المسألة الأساس، لأنه إذا ثبت ان للولايات المتحدة بصمات في الاعتداء، فإن ذلك يعني غرس سكين أميركي بجسد حلف الناتو نفسه. بحيث يمكن للحكومة الألمانية التي حاولت ان تتمايز في بداية الصراع، ثم انصاعت أن تصمد أمام غضب الشعب الألماني لسكوتها المتواطئ مع فعلة الولايات المتحدة، وحتما سيجر ذلك حدوث خلاف في علاقات واشنطن مع حلفائها. رغم ان العنجهية الأميركية ستحاول احتواء أي رد فعل غاضب بكل الوسائل من الاعتذار، والخطأ غير المقصود، الى التهديد عبر القواعد الأميركية المنتشرة أكان في المانيا او في كل أوروبا.

لقد فشلت الولايات المتحدة في اجتذاب العديد من الدول الى مشروعها بمواجهة روسيا، لا سيما الصين والهند وإيران، وحتى تركيا بنسبة معقولة، وحتى دول عربية كانت تتحرك بالتحكم عن بعد، رغم حملة الأكاذيب والتضليل المنتشرة حول العالم، ولا سيما اتهام روسيا بانها تسعى لحرب نووية، وهو العكس تماما، وهو ما اكد عليه المسؤولون الروس وفي مقدمهم الرئيس فلاديمير بوتين، الذي لم يخف ان روسيا لن تبادر الى حرب نووية، لكن اذا فعلها الاميركيون سيكون الرد ساحقا، ماحقا.

ان وضع الحرب النووية في التداول الدولي والتحليل والاستنتاج المسبق الصنع، مثله مثل أي مسألة تسعى الإدارة الأميركية لترويجها، بحيث يستمر العمل على شيطنة روسيا لمنع التقارب معها، خصوصا مع ظهور مؤشرات تمرد في العديد من الدول على اميركا التي لا صدقية لها، بخلاف روسيا التي تجاهر بسياستها الواضحة، ولا تفعل تحت الطاولة بخلاف ما فوق الطاولة، ومن جهة ثانية اثارة الذعر بين الجمهور بحيث يكون التوجيه بان اميركا هي حامي الحمى، وبجزء منه يستخدم في صناديق الانتخابات الداخلية.

بلا شك ان النشاط الديبلوماسي يلعب دورا هاماً في شرح الحقائق، بحيث بات واضحا ان الأوضاع تتجه الى تصعيد جديد، والاستقطاب على اشده، كما بات واضحا ان الغرب  الذي تسوسه اميركا غير قابل للاستماع، ومواجهة الحقائق التي تريدها البشرية، والمتمثل برفع اليد الأميركية عنها وعن اقتصادياتها، وتركها تقرر مصائرها بما يضمن كرامتها وحريتها واستقلالها، وهذا لا يتحقق بوجود قطب واحد يدور حوله العالم، وهو القطب الذي يريد منع المنافسة، والتمسك بنظام لم يعد، ولم يكن أصلا، ليحقق العدالة .لا بل كان ولا يزال يعمل على تدمير القيم، والأخلاق والثقافات الوطنية .

ما أعلنه الرئيس الروسي في خطابه اثناء الاحتفال بانضمام المقاطعات الأربع الى روسيا، لم يكن خطابا عاديا يمكن المرور عليه كمناسبة حصلت وانتهى الامر، لأنه كان خطاباً مفصلياً سواء لجهة التشخيص الدقيق لما يعانيه الغرب المكابر، أو لجهة تحمل استمرار الصراع لسنوات، سيما مع ازدياد المقتنعين بصوابية الأهداف الروسية وأيضا فإن الصين، لم تعد تستخدم المجاملات والرقة، في الوقت الذي دخل فيه اقتصاد الغرب مرحلة الانهيار، بعد رفاهية. او لجهة الحسم الروسي في الصراع من حيث انه قطع التفاعل الإيجابي مع الثقافة الغربية المدمرة. 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل