سفير الفتنة

الثلاثاء 18 تشرين الأول , 2022 10:11 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

عقود على التدخلات السعودية في لبنان لم تجرّ الى هذا البلد سوى الفتنة والخراب. لا يشبع البطن السعودي من اللهاث وراء رائحة التقسيم والتفتيت والتوتير. في آذار/ مارس من العام 1985 كانت بصمة الرياض في لبنان بالدم، بالشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية، فكانت محاولة استهداف سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله من خلال تفجير أدى الى ارتقاء نحو 80 شهيدًا، من بينهم أكثر من 40 امرأة وطفلًا، وسقوط ما يقارب 260 جريحًا.

وفي تموز / يوليو 2006، لم ينسَ اللبنانيون البيانات السعودية المحرّضة على الحرب على لبنان وشعبه ووصفهم لمقاومته بـ"المغامرين". تلتها عودة الى التورط المباشر بالدم اللبناني عام 2013 مع حقبة التفجيرات الارهابية في لبنان و"ديليفري" الانتحاريين من الرياض الى الضاحية وبعلبك.

ولأنها السعودية التي تشكّلت فوق بحور الدم، فهي لن تغيّر عادتها. وصاية الرياض على لبنان استمرت بأشكال مختلفة، الى أن وصلت ذروتها في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2017. تخطى ولي العهد السعودي المتهوّر كل حدود، وتعدّى فِعله "التدخّل" و"الوصاية" الى "العبث" و"الميليشياوية". اختطفت السعودية رئيس حكومة لبنان آنذاك سعد الحريري مجبرة اياه على تلاوة بيان استقالة حكومته عبر شاشتها "العبرية" في سابقة نادرة في العلاقات الدولية.

"المملكة" التي أرسلت الانتحاريين الى لبنان، وتآمرت عليه في تموز 2006، واحتلّت اليمن وارتكبت فيه المجازر المهولة، وحاصرت شعبه حتى الموت جوعًا ومرضًا، لن يكون من السهل عليها الاعتراف بهزيمة مخططاتها والاستسلام للبنان المستقرّ المتمسّك بسلمه الأهلي. مارست السعودية شتى الضغوطات على لبنان، وقطعت حدودها أمام المنتجات اللبنانية في تأكيد على مشاركتها بالحصار المفروض على الشعب اللبناني، متهمة اللبنانيين بتعزيز تجارة المخدرات، مع أن العالم أجمع يعرف أن الرياض هي من أكثر الأسواق استهلاكًا لهذه المنتجات الفتّاكة، والتي تظهر عوارضها جليّة على وليّ عهدها المتهوّر.

حروب ابن سلمان في لبنان بقيت خاسرة. لم يفز الرجل بأيّ من رهاناته. ورغم أن سفيره الى لبنان استخدم كافة الطرق للتغلغل في الساحة اللبنانية والافساد فيها، إلا أنه عاد خائبًا، وآخر خيباته نتائج الانتخابات النيابية 2022. حاول وليد البخاري أن يكون له "قرص" في كل "عرس". أقام الرجل خيمة وتربّع فيها كـ "فرعون" مستقبلًا مقدّمي الطاعة من أتباع وليّ نعمته، كما شوهد متخلّيًا عن "دشداشته" متمسّكًا بالزيّ الـ"سبور" راكبًا فوق دراجته النارية ومتنقلًا في طرقات لبنان كـ"حمامة سلام" كانت أشبه بالغراب. وليس آخرًا، عقد الرجل أكثر من جلسة "قهوة" محاولًا أن يجمع فيها ما تيسّر له من "نخب" و"اعلاميين" و"فنانين" تحت جناحه. كلّ هذه الاستعراضات لم تسعفه في تغيير نتائج الانتخابات النيابية التي استُدعي على اثرها الى الرياض في "زيارة توبيخ".

الفتنة، أحد أهم أهداف السعودية في لبنان. ولأجل ذلك، آثرت امتطاء رائدها في لبنان، فتحالفت مع قاتل رئيس حكومة لبنان الشهيد رشيد كرامة، وراهنت عليه، وصرفت عليه، ودافعت عنه، وجمعت لأجله التحالفات، وكل آمالها أن يحقق لها حلمها بالتقسيم والفوضى والاقتتال، فكان المشهد أقرب الى ما يصوّره المثل الشعبي اللبناني: "التَمّ المتعوس على خايب الرجا"، فكلاهما يتشاركان عنصرًا هامًا ومميزًا: "الخيبة".

جديد السموم السعودية في لبنان إفشال دعوة سويسرية لمختلف القوى اللبنانية الى عشاء ودّي يكسر الجليد ويعيد وصل بعض ما انقطع بين أهل البلد الواحد. لكن الغراب القادم من الرياض اغتاظ من مجرّد التفكير بصورة المشهد الجامع على مائدة عشاء، وأراد الاحتفاظ بمائدته المقسِّمة لأبناء الشعب، فحرم ممثله في لبنان من الحضور، وحرّض وديعته لدى من يسمَّون "نواب التغيير" وآخرين على أحد زملائهم لقبوله دعوة شخصية للعشاء. وبما يشبه الايعاز لجاليته في لبنان، كتب على "تويتر": "وثيقةُ الوفاقِ الوطنيِّ عقدٌ مُلزمٌ لإرساءِ ركائزِ الكيانِ اللبنانيِّ التعدديِّ، والبديلُ عنهُ لن يكونَ ميثاقًا آخر بل تفكيكًا لعقدِ العيشِ المُشتركِ، وزوالِ الوطنِ الموحَّد، واستبدالهُ بكيانات لا تُشبهُ لُبنانَ الرسالةَ".

هكذا اذًا، يُلزم سفير الفتنة اللبنانيين بحدود العقد الذي يراه مناسبًا تحت وصايته، ويعرقل أي حوار لبناني - لبناني، ويرى أيّ لقاء ودّي على غداء أو عشاء تهديدًا للنفوذه، لأنه يريد للبنان أجمع أن يكون ألعوبة يفرّقها ويجمعها، وفق مصالحه ساعة شاء، تحت خيمة مسمومة لا تبث سوى الخراب للبنان وأهله.

 

ميساء مقدم ـ العهد

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل