هل تنفجر العلاقات بين إيران والمانيا - عدنان الساحلي

الجمعة 11 تشرين الثاني , 2022 02:35 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
​تتجه العلاقات الألمانية-الإيرانية في مسار منحدر، بتأثير من الكيان  "الإسرائيلي" وجماعات الضغط اليهودية في ألمانيا، إضافة إلى تبعية أصحاب القرار في برلين للسياسة الأميركية، حتى لو أدى ذلك إلى الإضرار بالمصالح الألمانية؛ والموقف الألماني من الحرب في أوكرانيا أبلغ دليل على هذه التبعية. ويزداد الأمر فجاجة عندما يتدخل الإعلام السعودي بأمواله وحقده وتصهينه، إضافة إلى تحركات مرتزقة المعارضة الإيرانية، فتصبح المراكز الإسلامية الجادة والملتزمة هدفاً لذلك التحالف الأسود.
​منذ سنوات وبالتزامن مع الضغوط التي رافقت مفاوضات الإتفاق النووي القديم، الذي الغته الإدارة الأميركية من طرف واحد؛ ومع عودة المفاوضات النووية وتجاذباتها، إشتدت حملات الضغط ضد كل ما له علاقة بالجمهورية الإسلامية في المانيا. وإذا كان المسّ بالسفارة يوصل إلى قطع العلاقات، يصبح المركز الإسلامي في هامبورغ الهدف السهل. وتصبح جماعات المعارضة الإيرانية الأداة المنفذة لهذا الإستهداف، بتدخل "إسرائيلي" سياسي وإعلامي واضح. وبتغطية واسعة من الإعلام السعودي. وبمشاركة عملية من بعض الأحزاب الألمانية، التي تديرها قوى صهيونية، كحزب الخضر وغيره.
ويعدّ المركز الإسلامي في هامبورغ، من أهم المراكز الإسلامية في أوروبا. وهوأقدم مؤسسة إسلامية هناك، إذ وضع حجر أساسه عام 1960 وباشر نشاطه عام 1965. وكان الراحل آية الله محمد بهشتي أول رئيس له. ويعتبر "مركزا للطائفة الإسلامية الشيعية في ألمانيا. وتقام فيه الشعائر الدينية وتُحيی المناسبات الإسلامية". ومن اهتماماته "رعاية المسلمين دينياً وثقافياً واجتماعياً؛ والتقريب بين المذاهب الإسلامية؛ وتوطيد العلاقات مع أتباع الأديان السماوية، خصوصاً المسيحية منها". وتقام فيه نشاطات إسلامية في مختلف المجالات التعليمية والثقافية. ويعمل على طبع ونشر الكتب الإسلامية المترجمة إلى اللغة الألمانية والبوسنية. وفيه مكتبة كبيرة تضم العديد من الكتب المهمة بلغات اجنبية عدة. وفي الاكاديمية (الحوزة الدينية) تدرس العلوم الإسلامية والإنسانية؛ وتصدر مجلة الفجر الدينية.
بدأت الحملة على المركز صحيفة "جيروزاليم بوست" (الإسرائيلية)، التي قالت أنه في أعقاب تقارير من مصادر استخباراتية ألمانية، تفيد بدفاع المركز الإسلامي في هامبورغ، عن الشهيد قاسم سليماني، تم طرد المركز من مجلس الطوائف الإسلامية في هامبورغ. وبحسب التقرير، لم يلغِ مجلس الطوائف الإسلامية في هامبورغ، عضوية المركز الإسلامي في هذه المؤسسة، بل جرى تبديل إسمه إلى مسجد الإمام علي. لكن وسائل إعلام سعودية، نقلت أن وكالة مخابرات هامبورغ، التي تراقب مركز هامبورغ الإسلامي منذ عقود، خلصت إلى أن المركز يتلقى أوامر مباشرة من السيد علي خامنئي. وحسب الوسائل الإعلامية السعودية (العربية نت وغيرها)، فإنه وفقًا للمخابرات الألمانية، يتم استخدام مركز هامبورغ الإسلامي، لتعزيز غاية النظام الإيراني المتمثلة في تصدير الثورة الإسلامية. هذا على الرغم من نفي المعنيين في المركز أنه مؤسسة رسمية تتبع للدولة في طهران. لكن إدارة الأمن الداخلي في مدينة هامبورغ، تصرّ على إعتبار المركز "إحدى أهم مؤسسات النظام الإيراني في أوروبا"؛ ويتم توظيفه لـ "تصدير الثورة". فهل من عاقل يصدق أن إيران تعمل على تصدير ثورتها إلى المانيا!
وتطورت الحملة لتنشر صحيفة "ديوالت" الألمانية وقناة"NDR" ، أن المعلومات الجديدة حصلت عليها مؤسسة استخباراتية في هامبورغ. وأن إدارة الأمن الداخلي في هامبورغ، المعروفة باسم "مؤسسة الدفاع عن الدستور"، في تقرير متعدد الصفحات، قالت إن المركز الإسلامي في هامبورغ، لم يكن مركزاً غير سياسي وأنه مقر يتلقى تعليمات مباشرة من طهران. وأن الغرض من نشاط المركز هو "تصدير الثورة الإسلامية" إلى العالم، وأنه مرتبط أيضاً بحزب الله اللبناني، الذي كانت الحكومة الألمانية قد أدرجته على قائمة "المجموعات الإرهابية" عام 2020.
وفي السياق ذاته وتزامناً مع يوم "المساجد المفتوحة" في ألمانيا، نظمت مجموعة من الإيرانيين المعارضين (في تشرين الأول 2020) تجمعاً أمام المركز وطالبت بإغلاقه.
وكتبت صحيفة "جيروزاليم بوست" في كانون الثاني 2020، أن 600 من أنصار النظام الإيراني حضروا مراسم عزاء للشهيد قاسم سليماني، أقامه المركز الإسلامي بهامبورغ، مشيدين بسجل سليماني ووصفوه بـ "الشهيد البطل". في حين ركز الإعلام السعودي على أن رئيس المركز الشيخ محمد هادي مفتح، هو ضابط سابق في الحرس الثوري الإيراني وأنه نجل قيادي راحل في الثورة الإيرانية.
وإدعت "العربية. نت" أنها حصلت على تقرير لجهاز المخابرات المحلية، يبيّن أن المركز الذي يعمل تحت غطاء اجتماعي، يجمع الأموال ويحولها إلى "حزب الله" في لبنان. وصنفت المؤرخة أولريك بيكر، المركز على أنه "ممثل إسلامي" وحذرت من المخاطر التي تعتقد أنها تنبع من "المسجد الأزرق" (إسم يطلق على المركز) بقولها: "إيديولوجيات الكراهية ومعاداة السامية والتآمر أصبحت منتشرة أكثر فأكثر".
من جانبه رئيس المركز الشيخ مفتح، رفض عبر وسائل الإعلام الألمانية، تلك المزاعم (ت1- 2021 في مقابلة مع قناةZDF )؛ واعتبر أن المركز له "اتصالات ودية للغاية مع اليهود" الألمان. وأن لا أدلة وعلامات على الاتهامات بأن المركز الإسلامي "يعادي السامية". لكن وسائل الإعلام المحسوبة على اللوبي الصهيوني ومثيلتها من الإعلام السعودي؛ وكذلك بعض الأصوات الألمانية، مثل خبير السياسة المحلية للديمقراطيين الألمان دنيس غلادياتور، تصرّ على إعتبار مواقف المركز "المعادية للسامية" تتوافق مع الخطوط العريضة لنظام طهران، التي تعتبر "إسرائيل سرطانًا"، تجب إزالته، كما يقول التقرير الإستخباري.
واعتبرت نائبة رئيس البلدية كاتارينا فيجبانك، ممثلة "حزب الخضر"، أنه "لم يعد من الممكن تصور مشاركة المركز في العقود مع المجتمعات الدينية الإسلامية، وسط تزايد الدعوات بطرد المركز وكل الأفراد المنتمين له من مجلس الشورى".
ونقلت صحيفة "دي فيلت" الألمانية، في وقت سابق، تحريضاً من حنيف محوتشيان، المعارض الإيراني، ضد المركز، بقوله إن "المركز الإسلامي في هامبورج يعد نقطة انطلاق لأنشطة النظام الإيراني".
وبدوره، طالب عضو البرلمان الألماني، كريستوف دي فريس، في تصريحات صحفية بحظر المركز. وقال إن "العديد من قياداته ينتمون للحرس الثوري، بل أقاموا مراسم تأبين لقاسم سليماني (قائد فيلق القدس) بعد مقتله في يناير الماضي". وفي حزيران 2022، ذكر موقع "فردا" الإيراني المعارض، أن المركز "الإسلامي في هامبورغ" يعد من أهم المؤسسات الإسلامية في ألمانيا وأقدم مسجد للطائفة الشيعية في أوروبا؛ وتموله إيران. وفي السياق ذاته، طالب مسؤول السياسة الخارجية لحزب "الخضر" الألماني، النائب بالبرلمان الألماني من أصول إيرانية أوميد نوريبور "الحكومة الألمانية بإغلاق المركز الإسلامي في هامبورغ". 
​ووصل التحريض لدى بعض وسائل الإعلام السعودي، إلى العتب على السلطات الفرنسية، لأنها أغلقت مركز جمعية "الزهراء" وجمدت أصوله بتهمة "نشر التطرف والإرهاب" في أوروبا لمدة 6 أشهر فقط. وأن الجمعيات الأربع التي تم حلها وتنضوي تحت مظلة "مركز الزهراء"، بينها "الحزب ضد الصهيونية" و"الاتحاد الشيعي لفرنسا" وتلفزيون فرنسا ماريان تيلي"، يبقى قرار حظرها النهائي بيد الرئيس إيمانويل ماكرون. واستغربت ما إعتبرته "تراخياً في قرار الحظر إلى الآن".
الجديد في هذه الحملة، هو قرار طرد نائب رئيس مركز هامبورغ الإسلامي، رجل الدين سليمان الموسوي، في 18 حزيران 2022، الذي غادر ألمانيا منذ أيام، بتهمة "دعم الميليشيات الشيعية المتطرفة والإرهابية"، بعدما وصفته وسائل إعلام المانية بأنه "ذراع إيران وداعم المليشيات"، في نقض لإتفاقية عقدتها ولاية هامبورج عام 2012 مع الجمعيات الإسلامية ومن بينها المركز الإسلامي، تؤكد على القيم المشتركة التي تربط كل أطياف المجتمع في الولاية. وتتضمن الاتفاقية الإدارة الذاتية للجمعيات الإسلامية وبعض العطلات الرسمية للمسلمين. وتكفل لها المشاركة في التعليم الديني في المدارس. واعتبرت مواقع المعارضة الإيرانية أن "ترحيل الموسوي من ألمانيا، هو بداية للهجوم على هذا التنظيم"، مطالبة بإعلان المركز غير قانوني؛ وبطرد كل العاملين فيه. وجاء قرار الطرد الألماني بحق الموسوي، بسبب "دعمه لمنظمات متطرفة ونشره مقاطع "فيديو" ترويجية لها عبر حسابه في فيسبوك؛ وجمعه تبرعات مالية لجماعة حزب الله اللبناني"، حسبما ذكرت صحيفة "هامبورغ مورغن بوست" الألمانية.
وأوضحت الصحيفة الألمانية في 18 حزيران 2022 أن "موسوي له علاقات وثيقة مع مسؤولي حزب الله اللبناني"، واصفة مركز هامبورغ الإسلامي بأنه "ذراع إيران الممدودة في أوروبا".ولفتت الصحيفة الألمانية إلى أن "الموسوي شارك في مظاهرات معادية للسامية قبل أربعة أعوام". إلا أن وكالة "أنباء فارس" الإيرانية وصفت قرار الحكومة الألمانية طرد رجل الدين سليمان الموسوي، بأنه "يتماشى" مع التوجهات "الإسرائيلية". كما أصدر "الاتحاد الأوروبي لعلماء الشيعة"(حزيران 2022) بيانا احتج فيه على قرار طرد الموسوي، مشيراً إلى أنه "عضو نشط في هذا الاتحاد وأنه كان دائما شخصاً معتدلا وملتزما بالقانون، أثناء إقامته ونشاطه في ألمانيا وأوروبا، وله صفة واضحة في الإتحاد".
جاء هذا التطور، بعد ما بدأ "حزب الخضر" الألماني (يسار) حملة ضد المركز الإسلامي، "بسبب أدواره المشبوهة لصالح طهران"؛ وفق صحيفة "تاغس تسايتونغ" الألمانية، حيث شنت غوجروت شيتيك، النائبة عن حزب الخضر المشارك في حكومة الولاية، حملة ضد المركز، صنفها الإعلام بأن حزب الخضر الشريك الائتلافي في الحكم بولاية هامبورغ، بدأ "حصار ذراع إيران في الولاية المتمثلة في المركز الإسلامي". وقالت شيتيك أن "الحكومة الإيرانية مسؤولة عن العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، والحروب والتهجير القسري". وأن: "المركز الإسلامي المرتبط بهذه الحكومة، لا يجب أن يكون شريكا لحكومة هامبورغ".
ووفق زعيمة الكتلة البرلمانية للخضر في برلمان ولاية هامبورغ، جينفر غاسبرغ، فإن حكومة الولاية ستستغل حقها في مراجعة المعاهدة مع الجمعيات الإسلامية في عام 2022، لتصحيح الأخطاء وإيجاد الحلول لأي مشاكل في الاتفاقية.
إذا هي حملة تحت مظلة المفاوضات النووية، تتكامل مع الحراك الممول في الداخل الإيراني؛ وتتقاطع مع الصراع مع العدو "الإسرائيلي"، حيث تصف وزارة الخارجية الألمانية العلاقات مع "إسرائيل" بأنها "حجر الزاوية في السياسة الخارجية الألمانية". وألمانيا هي الشريك التجاري الأول "لإسرائيل" في أوروبا. والعلاقة العسكرية والاستخبارية القائمة بهدوء بين البلدين، منذ زمن طويل، بدأت تظهر بشكل متزايد إلى العلن.
في المقابل، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان "أنّ ايران ستتخذ ردود فعل تجاه ألمانيا".
جاء ذلك بعد ما غردت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، الأربعاء الماضي عبر "تويتر": "نحن واقفون إلى جانب الرجال والنساء في إيران، ليس اليوم فقط، ولكن دائما طالما أنه ضروري".
وكانت بيروبوك اعلنت في وقت سابق "أنّ الاتحاد الأوروبي سيعمل الأسبوع المقبل، على إقرار عقوبات جديدة ضد إيران، احتجاجاً على قمعها للتظاهرات".
وتابع عبد اللهيان: "تستطيع المانيا حسم أمرها بالمشاركة من أجل مباشرة تحديات مشتركة، أو من أجل المواجهة؛ وعندها ردنا سيكون مناسبا وحازماً".
فهل تنفجر العلاقات الإيرانية- الألمانية، أم تتدارك حكومة برلين مواقفها السائرة خلف السياسات الأميركية و"الإسرائيلية".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل