حتى لو عاد سعد، السعد لن يعود (2) - أمين أبوراشد

الثلاثاء 15 تشرين الثاني , 2022 12:14 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

المقالة رقم (1) بنفس العنوان، كتبتها ببداية العام 2013، بعدما غادر الرئيس سعد الحريري لبنان، مُصرَّاً على العودة عبر مطار دمشق، واختار "الاعتكاف" في الخارج بانتظار "سقوط نظام الأسد"، وفق تعبيره يومذاك.

وبما أن بعض مناصريه اليوم، يحملون زهرة "مارغريت" للتبصير: يعود...لا يعود، يعود...لا يعود، فإننا نعتمد البصيرة الواقعية ونقول: الرئيس الحريري جعل لنفسه حجماً إقليمياً ربما يدفع ثمنه الآن، وعودته طريقها طويلة، قد تبدأ من واشنطن ولا تنتهي بالرياض، وجمهوره في لبنان كما الشرائح الواسعة من الشعب، قد بلغ زمن الجوع، وبالتالي، لن ينثر عليه الأرز والمارغريت قبل أن ينثره الحريري بالأخضر الأميركي، كما فعل المرحوم والده عندما قرر بناء قواعد شعبية.

وبإمكان أي مهتم بعودة الرئيس الحريري، الدخول إلى أي موقع بحث، ليجد تحت عنوان "الحريري عائد" مئات التصريحات منذ العام 2013 وحتى يومنا هذا، عن موعد عودته كلما "حرِد" أو اعتكف، وصولاً الى تعليق نشاطه السياسي والمغادرة الى الإمارات.

المشكلة ليست في الرئيس سعد الحريري، بقدر ما هي في جزء من الشارع السني اللبناني، الذي يبحث عبثاً عن خليفة له، حتى شقيقه بهاء الذي حاول ملامسة الأرض الإنتخابية في أيار الماضي، وجد أن لا وجود له على الأرض.

وعودة الرئيس الحريري الى لبنان، لا تعني الإنتقال بالمعنى المادي الجسدي، بقدر ما يعني المادي المالي، لأن الرجل سيجد نفسه في بازار شراء الوجود الفاعل، وظروف عودته الآن أصعب بكثير من تلك التي رافقت قدوم والده في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، سيما وأن النزول الى ساحة الواقع الجماهيري مكلف والثمن بالدولار الأميركي، رغم عدم وجود شخصية سنية واحدة تستطيع ملىء زاروب من الشوارع السياسية الحريرية، من عكار الى طرابلس الى بيروت وصولاً الى الإقليم وصيدا وانتهاءً بالبقاع.

ولمَن ينتظرون عودة الرئيس الحريري، سواء الى بيت الوسط أو الى السراي، لا بد لنا من ذكر واقعتين، تعكسان رهان البعض على كل حركة يقوم بها الحريري، سواء على خطى المرحوم والده، أو في سلوكية أي رجل أعمال يدخل عالم السياسة، بحيث يصعب عليه التفرقة بين أعماله الخاصة وتلك التي ترتبط بمصالح الشأن الوطني العام:

الأولى كانت في النصف الأول من العام 2021، حين كان الحريري مكلفاً بتشكيل حكومة، وأمضى معظم وقته في الإمارات، وتحديداً العاصمة أبو ظبي، وانبرى المحللون الى إعطاء أبعاد سياسية لزياراته المتكررة الى الإمارات، وأنها تدخل ضمن جهوده لتشكيل الحكومة، رغم أن أبو ظبي ليس لها دور الرياض في الوضع الداخلي اللبناني، وهذا ليس من اهتماماتها، ليتبيَّن فعلاً بعد إعلان الحريري اعتذاره عن تشكيل الحكومة في 15 تموز من العام المذكور، أن زياراته الإماراتية كانت بهدف تأسيس عمل خاص هناك برعاية من الحكومة الإماراتية، لمساعدته على تسديد ديونه في المملكة العربية السعودية!

الواقعة الثانية، حصلت في نهاية شهر تشرين الأول الماضي، عندما زار الرئيس الحريري تركيا واستقبله الرئيس أردوغان، واعتبر البعض في لبنان، أن هذه الزيارة هي تمهيد لعودته الى لبنان، مما ألزم جهة في تيار المستقبل الى الإعلان، أن هذه الزيارة ليس لها غرض سياسي، بل هي زيارة خاصة ترتبط بإدارة أعمال شركات للرئيس الحريري في تركيا.

وقد يتساءل البعض، عن سبب استقبال الرئيس أردوغان له، وهو بزيارة عمل خاصة، والجواب واضح، أن المصلحة الخاصة للطرفين، أردوغان والحريري، أن يحصل هذا اللقاء. أردوغان من مصلحته إظهار تركيا وكأنها الوصيّ البديل عن السعودية على سُنَّة لبنان، والحريري من مصلحته أن يستقبله أردوغان بصفته الزعيم الأوحد للسُنَّة ولو أنه غادر السراي والمقعد النيابي.

في الخلاصة، لا بديل عن الرئيس سعد الحريري للزعامة السنِّية في لبنان حتى تاريخه ولكن، هذا لا يكفي لعودته الى الحياة السياسية ساعة يشاء وتحديداً الى السراي، ما لم يمتلك الغطاء الإسلامي الشامل أولاً، والجزئي المسيحي ثانياً على الأقل، وليست "القوات اللبنانية" هي هذا الجزء لو قرر أن ينتقل من الغطاء الطائفي الى الوطني، بدليل، هذا الرفض الذي يواجهه السفير السعودي من الشارع السنِّي كلما حاول تولية "خلفاء" لسعد الحريري ومن بينهم السيد سمير جعجع، وطالما أن المملكة على مواقفها السلبية منه لأسباب متعددة ومتنوعة، فلا خبز له على الساحة السياسية الداخلية حالياً، وحتى لو عاد الى لبنان، فالسعد لن يعود...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل