الانتخابات النصفية .. ومعالم طريق الانهيار‎ ـ يونس عودة

الأربعاء 16 تشرين الثاني , 2022 09:14 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

أظهرت نتائج الانتخابات النصفية الأميركية , الانقسام الأميركي , بشكل اكثر حدة بين الحزبين الوحيدين في بلاد ترفع شعار الديمقراطية , وهما الحزب الجمهوري , وشعاره "الفيل "والحزب الديمقراطي الذي يتمثل ب "الحمار". كما اظهرت الانتخابات النصفية ،انتقال الناخبين من أصول أميركية لاتينية من الديمقراطيين إلى الجمهوريين، فالأمريكيون اللاتينيون يميلون الى الحدة بالمعنى اليساري , سيما بعد تطهير الرموز اليسارية من الحزب الديمقراطي بعد فوز جو بايدن بالرئاسة قبل سنتين ،وعليه فأن انتقال الأميركيين اللاتينيين الذين يشكلون كتلة وازنة إلى معارضة الادارة الحالية أسرع من غيرهم من المجتمعات العرقية في الولايات المتحدة ،لاسيما في ضوء تدهور الوضع الاقتصادي الذي لن يتوقف , بفعل التأثيرات العالمية , ,مضافا الى ذلك المشكلات العرقية المتنامية , والعنصرية الآخذة بالنمو ,والصراع بين الولايات على خلفيات متعددة واهمها الاقتصاد , ونسبة المشاركة في موازنة الاتحاد .

بهذا المعنى فان الانتخابات الاميركية , ليست الا صراعا داخليا ,سوف يستخدم فيه مستقبلا كلا الحزبين كل ما يمكن من أوراق تحريضية , تجاه بعضهما البعض , ولن يكون العامل الخارجي , اي السياسة الخارجية لأي ادارة سوى توظيف التكتيكات في مجرى الصراع الداخلي , واستخدام كل اسلحة التشويه , وهما خبيران في هذا المجال , لان المصمم واحد وهو الدولة العميقة , بالمفهوم الحقيقي للسلطة في الولايات المتحدة .

لقد عبر الاميركيون بغالبيتهم عن مخاوفهم تجاه الديمقراطية المتآكلة , واظهرت استطلاعات الرأي ان اكثر من 70 بالمئة من الاميركيين يجزمون بتراجع الديمقراطية كمورد اساسي , وبالتالي فان المخاوف من ظهور تشريعات تحد اكثر فاكثر من السلعة الاميركية التي تعمل على تسويقها الادارات المتعاقبة في عمليات الغزو الخارجي , المحمل بالقتل والدمار ,جراء احتدام المنافسة , بين اقدام الفيلة , وحوافر الحمير ..

صحيح أن الحزب الديمقراطي نجح في الحفاظ على أكثرية بسيطة في الكونغرس (50)مقعداً ,واعتبر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إن النجاح غير المتوقع للديمقراطيين في انتخابات منتصف الولاية قد وضعه في موقف أقوى، لكن لم يعر اهتماما الى تبدل مزاج المقترع الاميركي ولو بنسبة غير كبيرة حتى الان. ويمكن ان يتبدل أكثر مع تعمق الازمة الاقتصادية التي يمكن ان تؤدي الى انهيار مفاجئ اذا ما اقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على مغامرة عسكرية ضد روسيا او الصين. وليس بالضرورة على خلفية ما يجري في اوكرانيا , وانما ما يجري في منطقة القطب الشمالي حيث مخزون الثروة العالمية المشخصة حديثا .

لا شك ان امام الإدارة الحالية ملفات ثقيلة من أوكرانيا وانعكاسات الحرب هناك على الاقتصاد العالمي ولا سيما مسألتي الغاز والنفط والحبوب , وبالأخص حل معضلة الغاز لأوروبا , وبهذا المجال , ليس امام واشنطن صاحبة الوعود الاغراقية سوى 3 مصادر مضطرة للجوء اليها , روسيا حيث العقوبات هي أساس العلة لاوروبا المتورطة والغريقة بالوعود الأميركية الوهمية ,والسعودية الرافضة للتفاعل مع الإدارة الحالية في هذا المطلب, والجمهورية الإسلامية في ايران -حيث الصراع المفتوح مع الولايات المتحدة منذ عام 1979 , وطبعا ايران غير مستعدة لملاقاة واشنطن في منتصف الطريق , لا بل تريد الوصول الى ما التزمت به واشنطن في الاتفاق النووي , ولا تزال اميركا تهرب الى الامام وتأخذ معها الأوروبيون الى الهاوية , بالتوازي مع محاولة زرع اسافين في العلاقات بين روسيا وإيران اللذين يؤكدان تحالفهما الاستراتيجي .

لقد ادى الفشل الاميركي في ضرب العلاقة الروسية - الايرانية , وعدم القدرة على تعويض اوروبا من النفط والغاز الروسي جراء العقوبات , وتكرار الدعوات لاوكرانيا للعودة الى المفاوضات بعد اليأس من تغيير ميداني يجبر روسيا على تغيير اهدافها في اوكرانيا وتنامي المشكلات مع الصين , إضافة الى ارتفاع اصوات وازنة في اوروبا تدعو للانتفاض على السياسة الاميركية التي زادت من عجز القارة العجوز , كل ذلك ادى الى قناعة اميركية , بضرورة تغيير التكتيكات.

من المؤشرات الهامة ,الاجتماع المكشوف بين مدير الاستخبارات الروسية سيرغي نارشكين و مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) وليام بيرنز بطلب اميركي نقلته تركيا التي استضافت اللقاء , و قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض. ان البحث تناول "عواقب استخدام روسيا أسلحة نووية ومخاطر التصعيد على الاستقرار الاستراتيجي "وذكر أن بيرنز لا يجري مفاوضات من أي نوع" ولا "يبحث تسوية للحرب في أوكرانيا"، مضيفا أنه تم إبلاغ الأوكرانيين مسبقا بالاجتماع، لكن من يصدق الكلام الاميركي بعد تجربة افغانستان التي ما تزال ماثلة , خصوصا من حلفاء اميركا الاطلسيين , الذين لم يبلغوا بالانسحاب, وقد عرفوا عنه اثناء الفرار من الاعلام.

كان لافتا تشخيص ساسة اوربيين وطبعا من جراء التجربة الحية سياسة الولايات المتحدة المجبولة بالاكاذيب والتضليل , ومن هنا كانت دعوة النائبة في البرلمان الألماني، سارة واغنكنخت، واشنطن إلى التخلي عن سياسة "فرق تسد" في استراتيجيتها لمواجهة روسيا والصين.واتهمت النائبة الألمانية البيت الأبيض بتأجيج الصراع في أوكرانيا بهدف استعادة أمجاده، وبسط نفوذه على العالم الذي لا يروق لواشنطن أن يصبح متعدد الأقطاب.وقالت ان "حماقة ساسة البيت الأبيض تكمن في محاولاتهم كبح جماح موسكو وبكين، عوضا عن السعي لبناء أسس الشراكة معهما"، وأعلنت النائبة السابقة في البرلمان الأوروبي من أيرلندا، كلير ديلي، أن واشنطن شنت بسبب أوكرانيا واحدة من أكثر الحروب الدعائية في عصرنا ضد روسيا.وقالت في حديث لصحيفة "Junge Welt": يتهم البعض روسيا بالدعاية، لكن في حقيقة الأمر فإن كل شيء هنا تفرضه مراكز التحليل ووسائل الإعلام التي تمولها الولايات المتحدة".

طبعا هذه المواقف ليست اكتشافا بقدر ما هي محاكاة حقيقية للواقع , فالرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما أعلن ومن دون رمشة عين, وفي محاضرة له في كيفية السيطرة على العقول وتدجينها , وهي السياسة الأميركية سواء كان في السلطة الجمهوريون او الديمقراطيون , حيث يقول أوباما" تحتاج فقط الى افساد الرأي العام لبلد ما , بالبريد العشوائي وطرح أسئلة كافية , ونشر ما يكفي من الشائعات وزرع نظريات مؤامرة كافية لارباك مواطني هذه البلدان بما يجب تصديقه , وبمجرد ان يفقدوا الثقة في قادتهم , ,,في وسائل الاعلام الرئيسية , ,في المؤسسات السياسية ,, في الناس وفي بعضهم البعض ,,في الحقيقة , نحن نفوز ,,أي اميركا تفوز.

بغض النظر عمن يكون في السلطة الأميركية , فان السياسة الأميركية هي واحدة , لا مكان فيها للحقيقة ولا للديمقراطية, ولذلك فأن نتائج انتخابات الكونغرس الأميركي بحد ذاتها، لن تكون مطابقة للحقيقة وانما للواقع الأميركي وليست الاتهامات المتبادلة دوما بين الحزبيين بان الحملات الانتخابية عادة ما يتخللها التلاعب والتزوير, إلا دليلاً ساطعاً على جوهر اميركا, وبالتالي هناك استحالة أن يتغير الوضع في مجال السياسة الخارجية, الا من خلال الفرض على الولايات المتحدة , وهذا الفرض لا يكون الا من خلال بناء القوة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل