انتكاس الفطرة

الأربعاء 11 كانون الثاني , 2023 01:18 توقيت بيروت مقالات فكريّة

الثبات - مقالات

 

انتكاس الفطرة

 

خلق الله هذا الكون وجعل له قوانين وسنن تحكمه، وكذلك خلق الإنسان واستخلفه في الأرض، وفطرَ فيه ضروريات عقلية وأصول أخلاقية ينطلق منها، ويتمحور حولها، ويتعامل على ضوئها، فتكون مُميِّزة له، وليس المراد به أنه حين خرج من بطن أمه يعلم فإن الله تعالى يقول: {وَاللهُ أَخرَجَكُم مِن بُطُونِ أُمهاتِكم لا تَعلَمُون شيئًا} [النحل: 78]. فطرة تستلزم الإقرار بخالقه ومحبته وإخلاص الدين له، وموجبات الفطرة ومقتضاها تحصل شيئاً بعد شيء، بحسب كمال الفطرة، إذا سلمت عن المعارض.

وما يطرأ على الفطرة ويشوهها ويجعلها تنحرف عن سويتها وتنتكس، وصور هذا الانتكاس الفطري تتباين بتباين العصر والظروف البيئية المحيطة بالإنسان، إذا كان النزوع إلى المادّيَّات وإشباع الغرائز الحسّيَّة عند الإنسان مردّه إلى الطَّبيعة الطّينيَّة، الَّتي خلق منها الإنسان، فنزوع الإنسان إلى طلب المعرفة وحبّ الكمال والخير وسائِر المعنويَّات مردّه إلى النَّفخة المقدَّسة، الَّتي كرَّم الله بها آدمَ على سائِر مخلوقاتِه، ولا يزال الصِّراع محتدِمًا داخل الإنسان بين السَّعي لإشْباع شهوات البدن الحسّيَّة، والسَّعي لإشباع حاجات الرّوح والعقل.

ونحن نعرف الإنسانَ وتتأكَّد لنا إنسانيَّته باجتِهاده في تَحصيل حاجاته الرّوحية والعقليَّة، لا باجتِهاده في تحصيل شهواته الجسمانيَّة؛ إذ لا مزيَّة له بذلك عن باقي الحيوانات التي تُطْلِق لنفسها العنان في إرْواء غرائزها.

من انتكاسات الفطرة العلاقة بين الرجل والمرأة:  خلق الله الرجل والمرأة وجعل في كلٍ منهما اختلافات على المستوى النفسي والحيوي والوظيفي، وسنة الكون في انجذاب المختلفَين وتنافر المتشابهَين انطبقت أيضًا على الجنس البشري، فينجذب كلًا منهما للآخر حتى تكتمل دائرة الحياة، ولتحقيق غايات عظمى فيها متمخضة من رحم الغايات العظمى التي خُلِق الإنسان لأجلها.

هذا الرباط المقدس السامي تعرَّض لتشوهات على أصعدة كثيرة بسبب إرهاصات ما بعد الحداثة التي غزت مجتمعاتنا الإسلامية ووجدت بيئة خصبة من أمراض اجتماعية كانت فيه، فدعوات التيار النسوي بدأت تنخر في هذا الرباط، وتحاول جاهدة مسخ الأنثى وطمس الهوية بينها وبين الذكر، وتشويه فطرتها الأنثوية التي تنتعش في نسيج هذا الرباط المقدس، فبدأت المتأثرات بالنسوية يتمردن على حياتهن، ومن دورهن الأسمى في تنشئة أجيال صالحة وسوية، وبدأت تتعامل مع منظومة الزواج على أنها تقليل وتنقيص منها، يقول بيجوفيتش “سيظل غير واضح كيف استطاع أولئك الذين دعوا إلى تحرير المرأة بأي ثمن الحفاظ على تلك الأكذوبة الكبرى بأن عمل المرأة في المصانع أكثر إبداعًا وأقل مللًا من عملها في البيت، لذلك كان يصدق بعضهم بأن تربية أطفال أناس آخرين مجال إبداع المرأة مثل عمل المدرسات والمربيات، بينما تربيتها لأطفالها هي عمل دنيء وهامشي ضمن أعمال البيت المملة وغير المناسبة”.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل