الوفاء صفة الأتقياء ـ أوصاني شيخي سماحة الشيخ الدكتور عبد الناصر جبري

السبت 21 كانون الثاني , 2023 12:06 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات ــ إسلاميات

الوفاء: هو من شيم الصادقين النبلاء، الذين مهما ضاقت بهم السبل، وعصفت بهم الأحداث، وجارت عليهم الكروب لا يغيرون ولا يبدلون، ولا يتركون الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا ما كان حديثه كان دائماً: لمن أترك هذا الصرح العظيم؟ هل أتركه لمن لا يخاف الله سبحانه وتعالى؟ أم أتركه لؤلئك الذين لا يكادون يميزون بين طالب علم أو إنسان آخر، لذلك سعى سماحة الشيخ الدكتور عبد الناصر جبري على طريق أشياخه، مثل سماحة مفتي الجمهورية العربية السورية سابقاً الشيخ أحمد كفتارو، ليعبر بطلاب العلم إلى الضفة الأخرى، ضفة الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بطريق سليم قويم، دون الدخول بالشبهات التي دمرت بعض البلاد العربية، وكان يدعو رحمه الله تعالى دائماً إلى الوفاء، والتحلي به، قائلاً: "من كان وفياً رفعه الله سبحانه وتعالى، وأعلى قدره بين الناس، ومن كان خائناً أذله الناس، وأنزل عليه سخطه، وسلط عليه من يهينه في الدنيا قبل الآخرة، فكونوا أوفياء تغنموا، ولا تكونوا خونة فتسخطوا".

بني الإسلام على الوفاء، من خلال رسالة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعليه، فلولا الوفاء ما وصلت هذه الرسالة إلى الأجيال اللاحقة، ولما وصل الإسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌أَوْفُوا ‌بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة/1]، قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: جماع الوفاء بالنذر وبالعهد، كان بيمين أو غيرها، وهذا من سعة لسان العرب الذي خوطبت به، وظاهره عام على كل عقد، ويشبه - واللَّه تعالى أعلم - أن يكون أراد اللَّه - عز وجل - أن يوفى بكل عقد كان بيمين أو غير يمين، وكل عقد نذر، إذا كانت في العقد لله طاعة، ولم يكن فيما أمر بالوفاء منها معصية.

قال الله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‌‌* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌لِمَ ‌تَقُولُونَ ‌مَا ‌لا ‌تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [سورة الصف/1ــ3]، جاء في تفسير الطبري: يا أيها الذين آمنوا صدّقوا الله ورسوله، لم تقولون القول الذي لا تصدّقونه بالعمل، فأعمالكم مخالفة أقوالكم، عظم مقتًا عند ربكم قولكم ما لا تفعلون.

وجاء في تفسير الطبري أيضاً: عن ابن عباس، قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌لِمَ ‌تَقُولُونَ ‌مَا ‌لا ‌تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [سورة الصف/2ـــ3]، قال: كان قوم يقولون: والله لو أنا نعلم ما أحب الأعمال إلى الله؟ لعملناه، فأنزل الله على نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌لِمَ ‌تَقُولُونَ ‌مَا ‌لا ‌تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا}… إلى قوله: {بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [سورة الصف/4]، فدلهم على أحبّ الأعمال إليه.

قال الله تعالى: {وما وجدنا ‌لأكثرهم ‌من ‌عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} [سورة الأعراف/102]، جاء في تفسير الطبري: يقول تعالى ذكره: ولم نجد لأكثر أهل هذه القرى التي أهلكناها واقتصصنا عليك يا محمد نبأها من عهد ومن وفاء بما وصيناهم به من توحيد الله، واتباع رسله، والعمل بطاعته، واجتناب معاصيه وهجر عبادة الأوثان والأصنام.

وجاء في سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [‌اضْمَنُوا ‌لِي ‌سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ]. أخرجه الإمام أحمد في مسنده

وجاء أيضاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [آيَةُ ‌الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خان]. أخرجه البخاري في صحيحه

الوفاء ميزة لا يتحلى بها الكثيرون، لهذا من الصعب أن تجد من يحثك على التحلي بها، في زمن قل فيه الأوفياء، فابحث عن أمثال سماحة الشيخ الدكتور عبد الناصر جبري الذي صان كلية الدعوة الجامعية رغم الأزمة الاقتصادية التي عصفت في البلاد العربية، وأبقاها قائمة ترعا طلاب العلم، في ظل أن أغلب فروع الكلية قد أغلقت أبوابها في معظم الدول العربية، معلماً ومربياً ومرشداً إلى الخير، ولعلي لا أنسى دعاءه الذي كان يدعوه دائماً، ومنه: "اللهم وهيئ له من يقوم على خدمته ورعايته من العلماء الحكماء النجباء الذين كادوا من فقهم أن يكونوا أنبياء، واجعل هذا فينا وبأبنائنا وطلابنا وأحبابنا" اللهم آمين جعلني الله وإياكم من الأوفياء الأنقياء الأتقياء.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل