أعلام التصوف .. أبو يزيد البسطامي

الأحد 29 كانون الثاني , 2023 01:20 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - التصوف

 

أعلام التصوف

أبو يزيد البسطامي

 

أبو يزيد طيفور بن عيسى بن شروسان البِسطامِي، يلقب بـ "سلطان العارفين" اسمه الفارسي "بايزيد" كما عرف كذلك باسم طيفور، كان جده شروسان مجوسياً وأسلم، ولد سنة (188) هـ في بسطام في بلاد خراسان في محلة يقال لها محلة موبدان.

ويحدثنا عنه أبو حامد الغزالي فيقول: ((حُكي أن شاهداً عظيم القدر من أعيان أهل (بسطام) كان لا يفارق مجلس أبي يزيد البسطامي فقال يوماً: أنا منذ ثلاثين سنة أصوم الدهر ولا أفطر، وأقوم ولا أنام، ولا أجد في قلبي من هذا العلم الذي تذكر شيئاً، وأنا أصدق به وأحبه!

فقال أبو يزيد: ولو صمت ثلاثمائة سنة، وقمت ليلها ما وجدت من هذا ذرة!! قال: ولم؟ قال: لأنك محجوب بنفسك. قال: فلهذا دواء؟ قال: نعم. قال: قل لي حتى أعمله. قال: لا تقبله. قال: فاذكره لي حتى أعمل. قال: اذهب إلى المزين فاحلق رأسك ولحيتك، وانزع هذا اللباس، واتزر بعباءة، وعلق في عنقك مخلاة مملوءة جوزاً، واجمع الصبيان حولك، وقل..كل من صفعني صفعة أعطيته جوزة، وادخل السوق، وطف الأسواق كلها عند الشهود وعند من يعرفك، وأنت على ذلك!!

فقال الرجل: سبحان الله، تقول لي مثل هذا؟ فقال أبو يزيد: قولك "سبحان الله" شرك!! قال: وكيف؟ قال: لأنك عظمت نفسك، فسبحتها، وما سبحت ربك. فقال: هذا لا أفعله، ولكن دلني على غيره. فقال ابتدئ بهذا قبل كل شيء. فقال: لا أطيقه. فقال: قد قلت لك.. إنك لا تقبل.. !))(إحياء علوم الدين 4 ـ 358).

ويعتبر أبو يزيد البسطامي من الشخصيات الإشكالية في تاريخ الإسلامي بين معتقدٍ فيه مؤولٍ لما يصدر منه من شطحات، وبين مكفرٍ له لما يفهم من مخالفات لمعتقد أهل الإسلام في كلامه.

من أقواله التي لا إشكال فيها:

    - "ليس العجب من حبي لك وأنا عبد فقير، إنما العجب من حبك لي وأنت ملك قدير".

    - "غلطت في ابتدائي في أربعة أشياء : توهمت أني أذكره وأعرفه وأحبه وأطلبه، فلما انتهيت رأيت ذكره سبق ذكري ومعرفته سبقت معرفتي ، ومحبته أقدم من محبتي، وطلبه لي أولاً حتى طلبته".

    - "اللهم إنك خلقت هذا الخلق بغير علمهم ، وقلدتهم أمانة من غير إرادتهم، فإن لم تعنهم فمن يعينهم؟".

    - "إن لله خواص من عباده لو حجبهم في الجنة عن رؤيته لاستغاثوا بالخروج من الجنة كما يستغيث أهل النار بالخروج من النار".

    - "لم أزل ثلاثين سنة كلما أردت أن أذكر الله أتمضمض وأغسل لساني إجلالاً لله أن أذكره".

 

وقد حُكي عنه شطحاتٌ منها:

-منها ما ورد في "المجموعة الصوفية الكاملة" عن أبو يزيد البسطامي أنه قال: "بطشي أشد من بطشه بي".

وقد تأول كلامه: أنَّ مقصوده  أنَّ بطش الربوبية بطش رحمة وتربية، وأنه مهما اشتد بطش الرحمن فلن يخلو من الرحمة أبداً، أما بطش الإنسان مهما خف فهو خالي من الرحمة، لقوله تعالى: {وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء : 130] ..

ويصدق ذلك تأويل الشيخ ابن عربي، بما نصه: "إن بطش العبد بطش معرَى عن الرحمة، ما عنده من الرحمة شيء في حال بطشه، وبطش الحق بكل وجه فيه رحمة بالمبطوش به، من وجه يقصده الباطش الحق، فهو الرحيم به في بطشه، فبطش العبد أشد، لأنه لا تقوم به رحمة بالمبطوش به )؛ ورد في "الفتوحات المكية" لابن عربي [ج1/ص: 695].

- ومنها قول أبو يزيد البسطامي: "خضت بحراً وقف الأنبياء بساحله"

وقد تأول كلامه: جاء في كتاب "الإبريز" من كلام الشيخ الدباغ عبد العزيز: "وسألته رضي الله عنه قول أبي يزيد البسطامي رضي الله عنه: خضنا بحوراً وقفت الأنبياء بسواحلها، فقال رضي الله عنه: النبوة خطرها جسيم وقدرها عظيم، وصاحبها كريم ذو مقام رفيع وجناب منيع، لا يبلغ أحد مقداره ولا يشق سائر غباره، فهيهات أن يصل الولي إلى رجالها، وشتان ما بينه وبين رجالها، ولكنه قد علم أن سيد الوجود صلى الله عليه وسلم هو سيد الأنبياء وإمام المرسلين وخيرة خلق الله أجمعين، وقد يعير صلى الله عليه وسلم بعض أثوابه لبعض الكاملين من أمته الشريفة، فإذا لبسه حصل له ما قاله أبو يزيد البسطامي، وذلك في الحقيقة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الخائض لتلك البحور والمقدم على سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام".

 

كلمة أخيرة منهجية

ينبغي التفريق بين الشخصيات التي تعتبر قدوة للأجيال وهم العلماء الذين ورثوا منهج النبوة قولاً وفعلاً وحالاً، أمَّا الاتجاهات التي تبعد الناس عن الواقع والعمل واتباع الشرع ليست قدوة، وهذه الاتجاهات قتلت نفسيات كثيرة من أبناء المسلمين، فسرت فيهم روح جبرية سلبية، نعني بذلك أن يكون موقفه سلبياً من الانحراف والفساد وأمام الظلم والاستبداد، فهذا من الغلو والانحرافات التي ظهرت عند بعض الصوفية، ولكنَّ كثيراً من أهل السنة والسلف قوَّم علوم الصوفية، بالكتاب والسنة فنستطيع أن نأخذ من الصوفية الجوانب المشرقة، كجانب الطاعة لله، وجانب محبة الناس بعضهم لبعض، ومعرفة عيوب النفس، ومداخل الشيطان، وعلاجها، واهتمامهم بما يرقق القلوب، ويذكر بالآخرة.

وهذا يظهر جلياً في منهج علماء الصوفية أهل العلم وأهل المعرفة كالإمام الغزالي وعبد القادر الجيلاني وغيرهم الكثير من العلماء.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل