السيرة النبوية || مكّة زمن البعثة وعند ظهور الإسلام .. (مكّة مدينة لا قرية)

الأربعاء 08 شباط , 2023 10:50 توقيت بيروت التاريخ الإسلامي

الثبات – التاريخ الإسلامي

 

 

السيرة النبوية

 مكّة زمن البعثة وعند ظهور الإسلام

(مكّة مدينة لا قرية)

 

    يتخيّل كثير من النّاس ممّن لا علم لهم بأحوال العصر الذي كانت فيه البعثة، وليس لهم اطّلاع واسع على أيّام العرب وأخبارهم وشعرهم وعوائدهم، أنّ مكّة كانت قرية صغيرة، وكانت الحياة فيها في طور الطفولة العقلية والاجتماعية والحضارية، وكانت أشبه بمسكن للقبائل، فيه مضارب من الشّعر، تسود فيها حياة الخيام، وبين معاطن الإبل ، ومرابض الغنم ومرابط الخيل، متناثرة في حواشي الوادي وشعاب الجبال، يتبلّغ أهلها ببلغة من العيش، ويتعيّشون على الخبز القفار أو لحم الإبل الذي لم يحسن شواؤه ولم يكمل استواؤه، ويلبسون اللباس الخشن الذي يتخذونه من أصواف الإبل وأوبارها، لا شأن لهم بتوسع في المطاعم والمشارب، أو تأنّق في اللباس، أو لين من العيش، ورقّة في الشّعور، وتوسّع في الخيال.

     إنّ هذه الصّورة القاتمة لمكّة، لا تتفق مع الواقع التاريخيّ ومع ما تناثر في كتب التاريخ ودواوين الأدب والشعر الجاهليّ، من وصف مكّة وما كان عليه أبناؤها، في منتصف القرن السادس المسيحيّ من آداب وأعراف وعادات ومظاهر كثيرة في الحياة، قد انتقلت من طور بدائيّ بدويّ إلى طور بدائيّ مدنيّ، ولا تتّفق مع ما وصفها القرآن بنعوت وأسماء لا تليق بقرية صغيرة، وحياة بدويّة، فقد سمّاها «أمّ القرى» في قوله: (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى: ٧] . وقوله: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) [التين: ١- ٣] . وقوله: (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ «١») [البلد: ١- ٢] .

   والحقّ أنّ مكّة قد انتقلت في منتصف القرن الخامس الميلاديّ، من طور البداوة إلى طور الحضارة، وإن كانت حضارة بالمعنى المحدود، وخضعت لنظام يقوم على اتفاق تطوّعيّ وتفاهم جماعيّ وتوزّع للمسؤوليات والمهام، وكان ذلك على يد قصيّ بن كلاب الجدّ الخامس للرسول.

   وكان عمران مكّة بطبيعة الحال محصوراً في نطاق ضيّق، وكانت مكّة بين الأخشبين، وهو جبل «أبي قبيس» المشرف على الصّفا، والآخر الجبّل الذي يقال له «الأحمر» ، وكان يسمّى في الجاهليّة ب «الأعرف» ، وهو الجبل المشرف وجهه على قعيقعان، إلّا أنّ وجود البيت في هذا الوادي، وما كان يتمتّع به جيرانه وسدنته بصفة خاصّة، وسكان الوادي بصفة عامّة، من شرف ومكانة وأمن، كان مغريا لكثير من القبائل العربيّة، وخصوصا المجاورة، للانتقال إلى جوار البيت، فازداد العمران، وتوسّع النطاق على مرّ الزمان، وحلّت البيوت المرصوفة بالحجر، أو المبنية بالطين والحجر محلّ الخيام والأخبية، وانطلقت الحركة العمرانية ممّا يلي المسجد الحرام إلى بطحاء مكّة في أعلاها وأسفلها، وكانوا يبنونها أوّل الأمر بحيث لا تستوي على سقوف مربّعة احتراما للبيت، ثمّ هان عليهم ذلك بالتدريج، فلم يروا بذلك بأسا، وتوسّعوا فيه، إلا أنّهم كانوا لا يرفعون بيوتهم عن الكعبة.

وزعم بعض أهل الأخبار أنّ أهل مكّة كانوا يبنون بيوتهم مدوّرة تعظيما للكعبة، وأوّل من بنى بيتا مربّعا «حميد بن زهير» ، فاستنكرته قريش.

وكانت بيوت أثريائها وساداتها مقامة بالحجر، وبها عدد من الغرف، ولها بابان متقابلان، ليتمكّن النّساء من الخروج من الباب الآخر، عند وجود ضيوف في الدّار.

 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل