حقائق عن التصوف || جاهدة النفس وتزكيتها .. الشيخ المربي عبد القادر عيسى

الإثنين 27 شباط , 2023 12:17 توقيت بيروت تصوّف

الثبات - التصوف

 

حقائق عن التصوف

جاهدة النفس وتزكيتها

الشيخ المربي عبد القادر عيسى

 

تمهيد

سبق أن بينا في بحث أهمية التصوف أن للنفس صفات خبيثة وأخلاقاً مذمومة، وأن إزالتها فـرض عين - كما نص على ذلك عامة الفقهاء - ولكن صفات النفس الناقصة لا تزول بالأماني ولا بمجرد الإطلاع على حكم تزكيتها أو قراءة كتب الأخلاق والتصوف، بل لابدَّ لها بالإضافة إلى ذلك مـن مجاهدة وتزكية عملية، وفطم لنزواتهت الجامحة وشهواتها العارمة.

 والنفس كالطفـل إن تهملـه شـبَّ علـى ... حــبِّ الرضــاع وإن تفطمــه يــنفطمِ

 

تعريف المجاهدة

قال الراغب الأصفهاني في "مفردات غريب القرآن" : "الجهاد والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو، والجهاد ثلاثة أضرب: مجاهدة العدو الظـاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس، وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى: {وجاهدوا في االله حـق جِهـاده}، وقوله تعالى: {وجاهدوا بأموالِكُم وأنفُسِكم في سبيل االله}، وقال صلى االله عليه وسلم: "جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم".

فمجاهدة النفس فطمها وحملها على خلاف هواها المذموم، وإلزامها تطبيق شرع االله تعالى أمراً ونهياً.

 

دليلها من الكتاب والسنة

 قال االله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} وهي آية مكيـة، ومـن المعلوم أنَّ جهاد الكافرين قد شرع في المدينة المنورة، وهذا يدل على أن المراد من الجهاد هنا جهـاد النفس. وقال العلامة المفسر ابن جزي في تفسير هذه الآية: (يعني جهاد النفس). وقال العلامة المفسر القرطبي في تفسيره لهذه الآية: (قال السدي وغيره: إن هذه الآية نزلت قبل فرض القتال).

وعن فضالة بن عبيد رضي االله عنه قال: قال رسول االله صلى االله عليه وسلم: "المجاهدُ مَنْ جاهد نفسَهُ في الله"، وزاد البيهقـي في "شعب الإيمان" برواية فضالة: "والمجاهدُ من جاهد نفسه في طاعة االله، والمهاجر من هجر الخطايـا والذنوب".

 

حكم تزكية النفس

تزكية النفس هي فرض عين على كل مكلف، ولا تتم إلَّا بالمجاهدة ومن هنا كانت المجاهدة فرض عين من باب: ما لايتم الواجب إلَّا به فهو واجب، قال الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله: المجاهدة في النفس عبادة ولا تحصل لأحد إلَّا بالعلم، وهي فرض عين على كلِّ مكلف.

 

قابلية صفات النفس للتغيير

 لا شك أنَّ النفس الإنسانية قابلة لتغيير صفاتها الناقصة وتبديل عادتها المذمومة، وإلا لم يكن هنـاك فائدة من بعثة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام؛ ولا ضرورة لمن بعده من ورثته العلماء العاملين والمرشدين المصلحين، وإذا كان كثير من سباع الطيور والبهائم قد أمكن ترويضها وتبديل كثير من صـفاتها، فالإنسـان الذي كرمه االله تعالى وخلقه في أحسن تقويم، من باب أولى. وليس المراد من مجاهدة النفس استئصال صفاتها؛ بل المراد تصعيدها من سيء إلى حسن، وتسييرها على مراد االله تعالى وابتغاء مرضاته.

فصفة الغضب مذمومة حين يغضب المرء لنفسه، أما إذا غضب الله تعالى فعندها يصـبح الغضـب ممدوحاً كما كان رسول االله صلى االله عليه وسلم يغضب إذا انتُهكت حرمات االله أو عطِّل حد مـن حدوده، ولكنه حين أُوذي في االله وضُرب وأُدمي عقبه يوم الطائف لم يغضب لنفسه ؛ بل دعـا لمـن آذَوه بالهداية والتمس لهم العذر فقال: "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون".

وكذلك صفة الكبر فهي مذمومة حين يتكبر المسلم على إخوته المسلمين، أما حـين يتكـبر علـى المتكبرين الكافرين فتصبح هذه الصفة محمودة لأنها في سبيل الله وضمن حدود شرعه، وهكذا معظم الصفات المذمومة تحوَّل بالمجاهدة وتُصَعَّد إلى صفات ممدوحة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل